رغم تخطي ألمانيا اليابان لتحتل الموقع الثالث اقتصادياً في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، إلا أن الاقتصاد الألماني يمر بأزمة حادة تنعكس على الانسجام بين أحزاب الائتلاف الحاكم برئاسة المستشار أولاف شولتس. وهي فترة تزداد فيها التوترات الاجتماعية والإضرابات في قطاعات مختلفة، وتتصاعد شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة.
وقرع "معهد فورسا" للاستطلاعات في ألمانيا الأسبوع الماضي جرس الإنذار، عندما نشر أحدث استطلاعاته التي جاء فيها أن المشهد السياسي في البلاد "يشبه بشكل مرعب" الثلاثينات من القرن الماضي. ومضى في تفسير هذه الظاهرة ليقول إن الناخبين يتخلون عن الأحزاب التقليدية السائدة ويلتحقون بوتيرة متزايدة بحركات يمينية متطرفة، وفق ما كانت عليه الحال في جمهورية فايمار التي شهدت صعود النازيين.
وبموجب الدستور الألماني الحديث، يتعين على الأحزاب أن تتجاوز عتبة خمسة في المئة من نسبة الأصوات على مستوى البلاد، كي تحظى بتمثيل في البوندستاغ. وهذا يعد ضماناً من تكرار تجربة جمهورية فايمار.
ومعلوم أنه في عام 1930، حقق النازيون أول اختراق انتخابي لهم مع دخول 11 حزباً إلى البوندستاغ. وتمكنوا في عام 1933 بعد عامين من المأزق السياسي وتصاعد التوتر الاقتصادي والاجتماعي، من السيطرة على البرلمان.
وبحسب "معهد فورسا"، فإن ناخباً واحداً من أصل خمسة سيقترع لحزب هامشي غير معروف، مقارنة بناخب من أصل ثمانية وفق ما كانت عليه الحال في الانتخابات الفدرالية التي أجريت عام 2021.
وهذه الأحزاب الهامشية تنشأ من انشقاقات من الأحزاب الرئيسية. وهي تكتسب حصة متزايدة من الناخبين إلى جانب حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف. حاز هذا الحزب عشرة في المئة من الأصوات في انتخابات عام 2021. وكان متوقعاً أن يحصل في الانتخابات المقبلة في 2025 على 22 في المئة من الأصوات قبل أن تهزه فضيحة المشاركة في اجتماع لقوى متطرفة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بحثت في ترحيل جماعي للمهاجرين. اليوم تراجعت نيات التصويت للحزب إلى 17 في المئة بعد تظاهرات حاشدة في برلين ومدن رئيسية قادها شولتس وقوى أخرى مناهضة للتطرف في الأسابيع الأخيرة.
ومع ذلك، يتوقع أن يحتل حزب "البديل من أجل ألمانيا" موقع الصدارة في انتخابات في ثلاث مقاطعات الخريف المقبل هي براندبرغ وساكسوني وثورنيجيا، ما يؤهله لتولي القيادة في واحدة من هذه المقاطعات على الأقل للمرة الأولى منذ ظهوره على الساحة السياسية قبل أكثر من عقد.
يأتي كل ذلك، على خلفية أزمة داخل الائتلاف الحاكم الذي يقوده الحزب الديموقراطي الاشتراكي بمشاركة الخضر والديموقراطيين الليبراليين.
هذه الأزمة تتعلق بالركود الاقتصادي وخلافات دستورية حول الإنفاق الحكومي، ما عزز الاستياء الشعبي.
ويعترف وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، بأن توقعات النمو لعام 2024 قد تراجعت من 1.3 في المئة إلى 0.2 في المئة. وأكد أنه من دون عمالة مهاجرة فإن الاقتصاد الألماني سينهار.
وارتفعت أسعار الطاقة ارتفاعاً صاروخياً بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا قبل عامين. وأدى ذلك إلى تضخم جعل الناس تشعر بالضغط.
وبدوره أطلق البنك المركزي "البوندسبنك" تحذيراً قبل أيام من البلاد ربما قد دخلت فعلاً في الركود، مشيراً في هذا الصدد إلى ضعف في الطلبات من الخارج وحذر المستهلكين وارتفاع أسعار الفائدة.
وتفاقم من الأعباء الاقتصادية خطة لتطوير الجيش الألماني بـ110 مليارات دولار، كان أعلنها شولتس في الأشهر التي تلت اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، بينما وزير الدفاع بوريس بيستريوس يتوقع أن ترتفع نسبة الإنفاق الدفاعي إلى 3.5 في المئة من إجمالي الناتج القومي، من أقل من 2 في المئة في الوقت الحاضر.
إنها من الفترات الحرجة التي يعيشها أكبر اقتصاد أوروبي. ويترك ذلك انعكاسته على بقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.