يعدّ التغير المناخي أحد العوامل التي تهدد التنمية المستدامة كما ذكرنا في مقالات سابقة من حيث آثاره واسعة الانتشار وغير المسبوقة. وكثيرا ما نسمع عن أهمية توحيد جهود القطاع الحكومي والخاص لمواجهة التهديد المتزايد للتغير المناخي والحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية. ويجمع الكل إلى الحاجة الماسة إلى اتخاذ الإجراءات وتمويل الحلول للتخفيف من آثار التغير المناخي، وتمهيد الطريق لاقتصاد منخفض الكربون من خلال خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بل وتوفير حلول الطاقة النظيفة إلى الدول النامية. وتسعى أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة إلى مواجهة التحديات البيئية المختلفة، حيث ورد في أحد تقاريرها الدورية حاجة العالم ما بين 3-5 تريليون دولار سنويا لجعل أهداف التنمية المستدامة حقيقة واقعة، وهذه أرقام فلكية بكل معنى الكلمة. ولذلك تظل الحاجة إلى رأس مال حقيقي من أجل الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون والتخفيف من آثار التغير المناخي، وعليه أصبحت الحاجة إلى تمويل مشاريع التغير المناخي في وقتنا الحاضر أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
يعد تبنّي مصادر الطاقة النظيفة وتقليل الاستخدام العام للطاقة واتباع كفاءة الطاقة خطوة أولى حاسمة في التخفيف من التغير المناخي وتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، بيد أن الانتقال الناجح إلى اقتصاد منخفض الكربون يتطلب شراكات يمكنها أن تنجح في هيكلة المنتجات التي يمكنها استيعاب الالتزامات بتمويل مشاريع التغير المناخي. وتلعب مجموعة متنوعة من المؤسسات المالية دورا في تمويل التغير المناخي بما في ذلك: البنوك والمؤسسات المالية، وأصحاب الأصول المؤسسية، وصناديق التقاعد وشركات التأمين وصناديق الثروة السيادية، والشركات الخاصة أو العائلية، والمنظمات الأهلية، ومؤسسات تمويل التنمية، والوكالات العامة ومنظمات التنمية الدولية. ولكن تواجه مشاريع التغير المناخي تحديين حقيقيين: المخاطر المادية المباشرة ومخاطر التحول التي تنشأ عن استجابة المجتمع للتغير المناخي. من السهل ملاحظة المخاطر المادية وفهمها بالنسبة للشركات، لأنها تنشأ من التعرّض للأحداث الحادة، لكن لا تزال مخاطر التحول أقل وضوحا، لأنها تعتمد على الالتزامات العالمية لإزالة الكربون. إن ما يقرب من 60 ٪ من الشركات الأوروبية تعرضت للمخاطر مقارنة بـ50 ٪ في الولايات المتحدة، ويعزى السبب إلى حالة عدم اليقين بشأن التنظيم والضرائب اللذين يشكلان أكبر تهديد أمام الاستثمارات المتعلقة بالتغير المناخي. ولقد ذكر بنك الاستثمار الأوروبي في أحد تقاريره السابقة أن نحو 45 ٪ من شركات الاتحاد الأوروبي تعمل في مجال التغير المناخي مقارنة بـ32 ٪ من الشركات في الولايات المتحدة.
وشهدت أوروبا الغربية والشمالية أكبر حصة من الشركات المستثمرة في هذه الإجراءات بنسبة 50 ٪. وعندما يتعلق الأمر باستثمارات محددة في التغير المناخي، يستمر الدفع بقوة نحو مبشاريع كفاءة الطاقة، حيث استثمر ما يقرب من نصف الشركات في دول الاتحاد الأوروبي في كفاءة الطاقة، وارتفعت إلى 47 ٪ في 2020. أخيرا، ترتكز مشاريع التغير المناخي عالميا على الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والزراعة والغابات وإدارة مصادر المياه المستدامة، وهذا ما جعل السعودية توجه كثيرا من مبادراتها مثل مبادرة السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر اللتين ترسمان رؤية السعودية لحماية كوكب الأرض والطبيعة، إضافة إلى مشاريع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والمياه المستدامة.