: آخر تحديث

قبل غزة وأوكرانيا... كانت المأساة السوريّة

8
8
8

قبل حرب غزّة، كانت الحرب الأوكرانيّة. كشفت حرب غزّة عجز مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن اتخاذ أي خطوة اتجاه وقف المجزرة التي ترتكبها إسرائيل بفضل الفرصة التي وفرتها لها "حماس" بشنّها هجوم "طوفان الأقصى". قبل الحرب الأوكرانيّة التي دخلت عامها الثالث، جلس العالم يتفرّج على المأساة السورية التي بدأت في مثل هذه الأيام من عام 2011، أي قبل ثلاثة عشر عاماً بالتمام والكمال.

لا حاجة إلى شرح ما ارتكبه النظام السوري في حقّ السوريين من أجل البقاء في السلطة. يكفي إيراد بعض الأرقام، من نوع عدد القتلى وعدد المهجرين للتأكد من أنّ الهدف كان القضاء على سوريا التي عرفناها وتفتيتها في حال خروجها من تحت هيمنة النظام الأقلّوي القائم.

تختزل عبارة "الأسد أو نحرق البلد" المأساة السورية التي جلس العالم يتفرّج عليها، على الرغم من مقتل ما يزيد على نصف مليون سوري بطرق مختلفة، بينها البراميل المتفجرة. هناك نحو عشرة ملايين سوري هجروا داخل سوريا أو إلى تركيا والأردن ولبنان وبلدان أخرى في مختلف أنحاء المعمورة. عندما يقبل العالم بحدوث ما حدث ويحدث في سوريا، لا يعود مستغرباً أن تفعل روسيا ما فعلته في أوكرانيا ولا أن ترتكب إسرائيل ما ترتكبه في غزّة.

في الإمكان العودة إلى خلف وإيراد أمثلة عدّة على الظلم السائد في هذا العالم في غياب أي دور يذكر لمجلس الأمن، خصوصاً عندما يكون هناك فيتو روسي أو صيني... أو أميركي حيث لا يجب ولا يجوز. لا يزال مستغرباً كيف عملت روسيا والصين من أجل منع صدور أي قرار يؤكد ضرورة وضع حدّ لممارسات النظام السوري في حقّ السوريين. جرى تمرير القرار الرقم 2254 في عام 2015 في ظلّ شبه توافق دولي بسبب حاجة روسيا إلى مراعاة الولايات المتحدة. وقتذاك، صدر قرار يدعو عملياً إلى تغيير سياسي عن طريق فترة انتقالية وانتخابات عامة تشرف عليها الأمم المتحدة. ليس في وارد النظام السوري تنفيذ هذا القرار على الرغم من كلّ الأوهام التي تتحكّم حالياً بالنظام الذي يعتقد أنّ العالم سينسى ما فعله بسوريا والسوريين، وأنّه سيكون شريكاً في تقرير مصير المنطقة في مرحلة ما بعد حرب غزّة.

الأكيد أن الولايات المتحدة ليست ملاكاً، لا في سوريا ولا في أوكرانيا ولا في غزّة. تغاضت أميركا عن استخدام بشّار الأسد السلاح الكيميائي في حربه على شعبه. كان ذلك في آب (أغسطس) 2013 في عهد الرئيس باراك أوباما الذي لم يعد يرى الخط الأحمر الذي رسمه للنظام السوري في حال لجوئه إلى السلاح الكيميائي. في الواقع، كان أوباما يريد استرضاء إيران الشريك الفعلي في الحرب على الشعب السوري. كان يخشى غضب إيران وانسحابها من المفاوضات في شأن برنامجها النووي.

سنوات طويلة مرّت على المأساة السورية التي شجعت فلاديمير بوتين على شن حرب على أوكرانيا. الأكيد أنّه ما كان لبوتين شنّ مثل هذه الحرب لو وجد من يقول له إن دخوله الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري منذ خريف عام 2015 أمر غير مقبول.

صحيح أنّ الشعب الأوكراني صمد ومنع الجيش الروسي من دخول كييف، لكنّ الصحيح أيضاً أنّه يعاني بدوره من غياب أي سياسة أميركيّة ذات طابع جدّي تضع فلاديمير بوتين عند حدّه. أكثر من ذلك، لا وجود لاستيعاب أميركي لعمق العلاقة العضوية التي تربط روسيا بـ"الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران، وهي علاقة ظهرت بوضوح من خلال التنسيق بينهما في سوريا. ما لبثت إيران أن هبت لمساعدة الجيش الروسي في مرحلة معيّنة من أجل متابعة حربه على الشعب الأوكراني. أرسلت إلى روسيا طائرات مسيّرة وصواريخ وذخيرة كي تتمكن من الاستمرار في ارتكاب المجازر في حق الأوكرانيين.

من سوريا إلى أوكرانيا... وصولاً إلى غزّة، هناك وحشية لدى النظام السوري ليس بعدها وحشية تغطيها روسيا وإيران. هناك وحشية لدى فلاديمير بوتين تحظى بدعم إيراني. هناك وحشية إسرائيليّة تتمثّل في الانتقام من الشعب الفلسطيني ومن غزّة في غياب القدرة على التخلّص من "حماس". فوق ذلك كلّْه، يأتي الجهل الأميركي بما يدور في العالم ليتوّج كلّ هذه الوحشيات.

ليس في أميركا حالياً، إذا استثنينا مسؤولين قليلين، من بينهم وليم بيرنز مدير الـ"سي. آي . إي"، من يدرك ما على المحكّ في حال التخاذل في دعم أوكرانيا بالسلاح والذخيرة وتأثير ذلك على أوروبا كلّها.

في النهاية، ليس مستغرباً أن نشهد ما نشهده في غزّة في عالم فقد فيه الأميركي البوصلة السياسيّة وبات مستقبل الولايات المتحدة بين جو بايدن ودونالد ترامب، بعد كلّ ما فعله دونالد ترامب وبعدما قدّم جورج بوش الابن العراق هديّة إلى إيران!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد