: آخر تحديث

في المسألة الأوروبية

20
23
25

أوروبا ليست واحدة في توجهاتها، ومخطئ مَن يقرأ الاتحاد الأوروبي كوحدة عضوية متماسكة، هي وحدة مصالح انطلقت من أهداف اقتصادية، بدأت جمركية تحديداً، لكنها تستنزف نصف طاقتها في تثبيت أنواع غراء اللصق بين أعضائها للبقاء متماسكة، ونصف الطاقة الآخر موزع على كل جبهات الأزمات وآخرها تلك الجبهة في أقصى الشرق مع روسيا.

التشققات ليست مخفية، ومَن يتابع عن كثب كواليس أروقة الاتحاد الأوروبي سيجد الخلافات متناثرة في كل مكان، المبنى العريض والضخم في حي شومان في بروكسل ليس أكثر من تجمع خلافات تحاول «جماعة الاتحاد» أن تبقى في ذلك الحي الأوروبي من العاصمة البلجيكية ولا تتعداه.

التشقق الذي بدأ يأخذ مداه في الجدار الأوروبي كان واضحاً بعد أزمة اللجوء السوري، وسط أوروبا، بقيادة المجر التي حاولت إحياء تحالف «فيجغراد»، وكاد ذلك الخلاف يصل إلى ضفاف الانشقاق الذي يصيب مفهوم الوحدة الأوروبية نفسه.

القصة لم تكن رمانة كما يقولون، بل قلوب «مليانة»، فتلك الدول من شرق القارة، والخارجة حديثاً من تجربة منهكة خلف ستار الشيوعية الحديدي، تأملت من وحدتها «القارية» أن تظفر بنعم الرأسمالية التي كانت تدخل بالتهريب إلى حدودها على شكل منتجات غربية، لكنها وبعد أن فتحت الحدود وجدت أن الرأسمالية الغربية في قارتها البيضاء تستنزف خيراتها ولا تعطيها حق الشراكة الكاملة في وحدة اقتصادية يفترض أن تقوم على التكامل.

أوروبا اتهمت حكومة المجر وحلفاءها بأنهم «عنصريون» ضد اللاجئين. لكن الحقيقة مختلفة كثيراً على أرض الواقع!

واليوم يجد جزء من الأوروبيين أنفسهم بين بروكسل عاصمة الوحدة الأوروبية، وبودابست عاصمة التمرد على بروكسل.

غير المجريين في المجر لا يعانون هذا الكم من العنصرية فيها، هناك قوانين أكثر صرامة بخصوص التجنس والإقامة، لكن العيش كريم على قلة الموارد، هناك حياة حرة، لكن مسؤولة ومتساوية.

نعم هناك يمين مجري متعصب يرى نفسه وطنياً، لكن ليس إلى حد وقوع أحداث مؤسفة، وما يمكن أن يتعرض له عربي أو أي أجنبي آخر في شوارع بودابست هو ذات مقدار ما يمكن أن يتعرض له ابن المدينة نفسها.

المجر ليس لديها نفاق تحت عنوان «الاندماج الاجتماعي» الذي لا يفضي إلى أي اندماج فعلي، فعقل الدولة يؤمن بالوطنية المجرية على مستوى ثقافي بحت، مما يعني أن الاندماج يعني قبول الشروط الصعبة للجنسية وأولها حفظ «وفهم» تاريخ المجر الطويل والمتشابك، علاوة على اللغة التي لا تخلو من صعوبات. لكن هناك مَن نجح في الاختبار من العرب، وهم أطباء ومهندسون ورجال أعمال، بل وسياسة. 

غرب أوروبا يعاني لأنه فقد هويته باسم النيوليبرالية المفرطة وقد تحولت اليوم إلى عصبوية ترفض وتقصي من يخالفها باسم «الإنسانية»، وهذه الاستباحة المفرطة لتيار منفتح على كل الاستباحات خلق تيارَ اليمين المتطرف الأكثر مرضاً، فخسرت تلك الأوطان توازناتها مع نفسها ومع الآخرين.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد