تم، خلال الأيام القليلة الماضية تداول قائمة تضم أسماء مجموعة من الإعلاميين والصحفيين أطلق عليها قائمة «المتصهينين» وفق زعم مطلقها، وقيل إنه فلسطيني اسمه خالد صافي يقيم في تركيا حاضنة الإخوان المسلمين الفارين، ومن المؤكد أن مطلق القائمة ينعم هناك بالاطمئنان على أمنه الشخصي متكئا على ضمانة توافر مقومات الحياة بعيدا عن قساوة ما يعانيه الفلسطينيون في الأراضي المحتلة من رعب وغلق للمدارس وتضييق في سبل العيش وتقتيل وتهجير، فهذا الوضع المأساوي مجرد تفاصيل عند تجار الدم الفلسطيني ورموز الإسلام السياسي الفلسطيني المتنعمين بالفرش الوثير والبساط الممدود والغطاء الدافئ في إسطنبول والدوحة. زعم مطلق هذه القائمة أن من صنفوا ضمن القائمة المزعومة يحصلون على رواتب من اللجان الالكترونية الإسرائيلية!
القائمة المزعومة تضم أسماء غير قليلة من الإعلاميين والصحافيين العرب من بلدان عديدة، من بينهم صحفيون وإعلاميون خليجيون لهم مواقف لا تنسى تجاه قضايا عربية مهمة وإزاء بلدان تتعرض إلى تدخلات خارجية من إيران وغير إيران مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان وفلسطين أيضا. ومن يطلع على هذه القائمة لن يعوزه الذكاء ليكتشف أن مطلق هذه القائمة واحد من اثنين، فإما أن يكون من «حماس» أو من «حزب الله»، والاثنان يندرجان ضمن تيارات الإسلام السياسي المتطرف صنيعة أقبية المخابرات التي لا نظنها تريد بنا خيرا، ولا نظنها داعية أمن وأمان وديمقراطية ورفاه.
ما يثير الأسف الشديد ليست القائمة في ذاتها، فلعبة التخوين لعبة قديمة مارسها محترفو السياسة والنضال لإسكات كل صوت يخالفهم الرأي، وإنما ردود أفعال بعض من قومنا ممن أفرحتهم هذه القائمة فراحوا ينظرون إلى كل من يتحدث أو يكتب منتقدا «حماس» بوصفها تنظيما متطرفا أراد توريط العرب في حرب ليسوا مهيئين لها، بكثير من الشك في صدق انتمائه القومي، وأخص بالذكر هنا أولئك الذين نجح الإخوان في بذر سمومهم العقائدية فيهم، وأولئك الذين لا يعملون العقل في قراءة الواقع كما هو وليس كما ينسجه الخيال في عودة فلسطين كاملة، أو على رأي بعض الفصائل الفلسطينية «تحريرها من النهر إلى البحر»، وأولئك الذين صنعوا الأكاذيب وكانوا أول مصدقيها وعلى رأسهم تأتي «حماس» قبل أن تظهر في هذه الأيام بوادر خلاف بين قادة الميدان الذين يتمسكون بالرأي السالف وبين بعض من أفراد القيادة السياسية، مثل إسماعيل هنية وخالد مشعل اللذين يجسدان بحق قمة الشقاء الذي تعيشه القيادة السياسية في فنادق المهجر وبؤس معاناة هذه القيادة في المنتجعات الفاخرة بعيدا عما يتجرعه الفلسطينيون من القتل والجوع والتشريد! فقد بدأت نغمة حديث هذه القيادة تتغير لصالح حل قيام الدولتين، وضرورة توحيد الرؤى بين «حماس» ومنظمة التحرير، بدل العنوان الذي تطرحه إيران و«حزب الله» والقائل بتوحيد الساحات!
تم تداول القائمة في البداية كما كان يريد لها ناشرها وأخذت حظها من الانتشار، ولكن لوحظ أنها سرعان ما خف الحديث عنها وتباطأ تداولها ولعل السبب في ذلك يعود إلى زيفها ومكانة الشخصيات التي تضمنتها القائمة وثقلها في الإعلام والصحافة، وزيف ناشرها، ولكن الذي يستلزم الوقوف عنده هو هذا الفجور في العدائية لكل صاحب رأي آخر غير الرأي الذي يتبناه الحمساويون وتنظيم «الإخوان المسلمين». مواقف العرب، دولا وشعوبا ومهاجرين، ومن ضمنهم الفلسطينيون، مختلفة بين مؤيد لإقامة سلام بين إسرائيل والعرب وبين معارض، إلى درجة أن هناك دولا تقيم مع إسرائيل علاقات دبلوماسية وأبرمت فيما بينها اتفاقات عديدة من بينها اتفاقات سلام واتفاقات اقتصادية، ولذلك فمن الطبيعي أن يدافع كل طرف عن خياره. فحماس والإخوان المسلمون ليسوا هم من يحددون مستقبل الدول العربية وشعوبها، بل ينبغي لهم خاصة بعد المغامرة الأخيرة أن يكونوا آخر من يتحدث باسم الفلسطينيين والعرب، ولا ينبغي أن ننسى بحكم وقع الحاضر وتأثيره أن هذا الفصيل السياسي كان، ولعله ما يزال كذلك، حصان طروادة الذي روج له الغرب في مؤامرة «الربيع العربي»، وأراده بديلا عن أنظمة الحكم القائمة في أكثر من بلد عربي ما يزال بعضها إلى الآن يلملم جراحه جراء ما صنعه به حكم عصابات الإخوان المجرمين.
يمكن القول ببساطة إن المجموعة التي ضمتها القائمة هم من امتلكوا الجسارة ليجاهروا بقراءة مختلفة عن قراءة الإخوان المسلمين، وعن كثير من الناس الذين هزهم هول الجريمة الإسرائيلية التي أودت بحياة الآلاف من الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ. كان لا بد لحماس والإخوان المسلمين أن يسمعوا الرأي الواقعي، الرأي الذي توصلت له منظمة التحرير نفسها والقاضي بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس إلى جانب دولة إسرائيل.
ولأن رأي من تضمنت القائمة أسماءهم رأي واقعي مبني على جملة من المعطيات ليس منها التفكير الرغبوي، وليس منها صناعة الأخبار على منهج محمد سعيد الصحاف أيام النكبة العراقية، وليس منهم الغارقون في أحلام «عودة صلاح الدين» كما قرأنا وسمعنا من مروجي الوعي الزائف وصناعه، وهم -مع الأسف- كثير، فإن صوت العقل والمنطق والتفكير الواقعي هو الذي سيسود إن عاجلا أم آجلا، مهما نشر الإخوان أو غيرهم من قوائم تمس شرف من يختلف معهم وأمانته. وخلاصة القول إن المتصهينين هم من تلتقي نتائج أعمالهم مع ما يسعى إليه الصهاينة في إسرائيل من ذبح وتشريد للفلسطينيين.

