في مشهد يبدو للوهلة الأولى أنه مخالف لأنظمة المحتوى المرئي والمسموع والتي تهيب بخطورة عرض محتوى من شأنه المساس بحقوق المرأة والطفل؛ وفي أوج إنجازات مركز بلاغات العنف الأسري في مكافحة العنف بكل أشكاله: النفسي والجسدي وغيره، والذي يبدو أنه ينال ثقة اجتماعية عالية وموثوقية وأنظمة الحماية الواضحة والصريحة للأطفال، شاهد أغلبنا إن لم يكن كلنا، مقطع الأطفال الذين تم تصويرهم من قبل والدهم، وكيف تم توثيق دموعهم على أرنبهم، وانهالت بعدها الآراء والردود والبلاغات للمركز والنيابة لتعكس الحس الاجتماعي الجميل في مجتمعنا الخير والمحب، استوقفتني مجموعة من الردود لعل أقربها لرأيي الشخصي هو ما قاله الأستاذ داود الشريان في رد عبر حسابه في تويتر حيث قال: "الأب كسر خاطر أطفاله، الطفل يبقى زمانا يتذكر هذه الأشياء، لكن أود أن أذكر بشيء مماثل مر بي وبعض جيلي، زمان كان أهلنا يشترون رخلة، أو حمل نفرح، ونلعب معها أشهرا، يوم عيد أو طلعة بر نشوفها معلقة ويجري سلخها ونأكلها مع أهلنا حميسة، و"نتمطق" بعد، راحت الأيام، نسينا حكايات الرحلة، والحمل، والحميسة، وأهلنا - رحمهم الله - قلوبهم رحيمة، وشخصياتهم ما عليها خلاف".
سارة العبدالكريم عضو هيئة حقوق الإنسان نشرت عبر حسابها الطريقة الصحيحة للتعامل مع أي مقطع مسيء للأطفال، تحدث عدد من الأطباء النفسيين عن بشاعة هذا التصرف بل طالبوا بإعلان العقوبات.
جميع ما سبق أعتبره أمرا صحيا، نحن نعيش في عصر جديد مليء ولله الحمد بالتحولات المجتمعية النوعية والقانونية التي تعزز مفاهيم الحقوق وثقافتها لتكون في سلوك الأفراد قبل المجتمعات، وقد نوه العديد من رجال القانون بأن من المهم أن يكون هناك توعية دورية للأجيال الشابة حول القفزات العملاقة التي نعيشها اليوم، ولعلها فرصة لأذكر الرأي العام والمهتمين بأنه يوجد هناك 7 مراحل لسير البلاغات داخل مراكز العنف الأسري وهي تبدأ من استقبال البلاغ عبر أخصائيات نفسيات واجتماعيات مدربات، ويتم فتح قنوات الاتصال مع جهات الحماية كالشرطة و وحدات الحماية ويتم عبر الوحدات تقديم الإيواء وأيضا تقديم الاستشارات النفسية والأسرية والاجتماعية وفي حالة البلاغات الخطرة بلا شك يتم الإسعاف إذا لزم الأمر وتقديم الدعم القانوني إن لزم.
يبقى المحك والذي تطرقت له عدة مرات أهمية التوعية بفكرة الدور الاجتماعي، وضرورة أن يعي الإنسان دوره؛ حيث الأبوة في الأمس لا تشبه الأبوة في اليوم من حيث الجانب العملي. نعم لها ذات القيمة المعنوية والدينية الخالدة ولا شيء في حياة الإنسان يعوض دور الأب، ولا يفهم أحد ذلك إلا بعد أن يغيب هذا الجبل الصامت والحصن المنيع ومن المؤسف أنه يكاد يندر أن تجد أي محتوى مرئي أو مسموع يعزز من قيمة الأب والأسرة بمكوناتها حتى ذابت المفاهيم، بل وجدت أن الشعر كمخزون للمعاني الإنسانية بحد ذاته مجحف في تعاطيه مع الأب، لذا قلوب الناس جبلت على القسوة بهذا المخلوق وكأنه ملزم بمعايير المجتمع فقد يعاب على فقره أو ينازع في جهله ويتناسى الناس المفهوم الرحيم الذي لم أجده إلا في تنبيه الشريان على الحادثة، التي أعلم بأنها بلا شك خاطئة وجاءت كنتيجة نزعة النشر التلقائي والتقصير المعرفي من جميع الأطراف؛ وبخلاف من طالبوا بالسجن لهذا الأب، أرى أن يوجه فقط لحضور استشارات سواء عبر مركز البلاغات كونها مجانية أو حتى عبر الجمعيات المهتمة بالإصلاح الأسري. وأن نتوقف قليلا عن إطلاق الأحكام ونهدأ ونتأمل في ذواتنا ونمنح الأعذار وفي مشاهدة الحالات لا تترددوا برفع البلاغات بالطريقة الصحيحة ونكتفي بالدعاء لأنفسنا وللجميع بالهداية والقوة والعون على التربية في هذا العصر المتسارع.
أخيرا؛ "لَعَلّي أَفي تِلكَ الأُبُوَّةَ حَقَّها، وَإِن كانَ لا يوفى بَِكَيلٍ وَلا وَزنِ" هكذا قال إيليا أبو ماضي، وغفر الله لوالدي والآباء أجمعين.

