: آخر تحديث

بيت هتلر

12
10
10
مواضيع ذات صلة

يقول الشاعر محمد مهدي الجواهري في واحدة من قصائده الشهيرة: «باق وأعمار الطغاة قصار»، والقصيدة التي جاء فيها هذا الشطر كتبها الجواهري في رثاء شهيد، وبه أراد القول إن أعمار من قتلوا هذا الشهيد قصيرة، فيما سيكون الخلود من نصيب الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فداء لأوطانهم وللقضية التي يؤمنون بها. ولم يكن الجواهري مخطئاً في خلود ذكرى الشهداء، وللطغاة عمر لا يمكن لهم أن يتجاوزوه، وما أكثر هؤلاء الطغاة الذين انتهت حياتهم بطريقة تليق بطغيانهم وتسلطهم على الناس، ولكن هل تنتهي ذكرى الطاغية بنهاية حياته، أم أنها تظل باقية؟

التاريخ لا يحفظ ذكرى الأخيار وحدهم، وإنما ذكرى الأشرار أيضاً، ومن ذلك أن طاغية مثل أدولف هتلر الذي انتهى نهاية من تلك النهايات التي تليق به، حين حوصر في مقر إقامته، بعد أن وئدت كل أحلامه في جعل أوروبا كلها إمبراطورية ألمانية، فاختار أن يقتل نفسه، كي لا يصبح أسيراً في أيدي من قاتلوا ضده، اختير من قبل مجلة «تايم» واحداً من بين مئة شخصية تركت أكبر أثر في تاريخ البشرية في القرن الماضي، ولماذا لا يكون كذلك، وهو الذي أدت هزيمة مغامرته العسكرية إلى نشوء نظام عالمي جديد غير ذاك الذي نشأ بعد الحرب العالمية الأولى؟
في قراءة سير الطغاة من وجهة نظر علم النفس، يطالعنا أنهم، في المجمل، يعانون من عقد ومركبات نقص تعود إلى طفولتهم، وهذا ما نقرأه في سيرة هتلر نفسه الذي عاش طفولة مضطربة، وعانى من عنف والده في التعامل معه، حيث كان يضربه باستمرار ويثير الرعب في نفسه، حتى أنه أفصح، بعد سنوات من ذلك، عن أنه في لحظة ما قرّر ألا يبكي مرة أخرى عندما ينهال عليه والده بالسوط. وعلى خلاف ما يخطر في أذهاننا عن أن هتلر ألماني المولد، سنقرأ أيضاً أنه ولد في برونو بالإمبراطورية النمساوية – المجرية في نهايات القرن التاسع عشر.
من باب العظة والعبرة، لا من باب التخليد، قررت الحكومة النمساوية تحويل البيت الذي ولد فيه هتلر إلى مركز للشرطة ومكان لتنظيم ورشات تدريب على حقوق الإنسان، لتنهي بذلك جدلاً امتدّ طويلاً بين السياسيين والخبراء حول مصير هذا البيت، حيث تمّ رفض تحويل المبنى إلى نصب تذكاري، فنصب مثل هذا ينبغي أن يركز على ضحايا الحقبة النازية، لا على من كان سبباً في قتلهم، كأن الرسالة هنا هي أن استعادة ذكرى الطاغية هدفها الحيلولة دون تكرار نسخ أخرى منه في الحاضر والمستقبل.  


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد