: آخر تحديث

حوارية الدّاء في سلّة الغذاء

15
18
17
مواضيع ذات صلة

قلت للقلم: ما لك جاوزتَ حدّ الموضوعية، بيْد أن لك انتساباً إلى المنطق؟ كيف أطلقتَ لعفريت النفس العنان، فأسرف في السؤال: ماذا لو كانت أرض السودان، بخيراتها الجوفية والفوقية، في أيدي التنين، منذ عشرات السنين، منذ تدفَّقَ الجعفرُ النمير بسلسبيل التحوّل الديمقراطي؟ كيف لم يخطر على مُخيْخك السؤال مثلاً: ماذا لو تلقفت كرةَ سلّة الغذاء العربي إدارةٌ فائقة عربية، ثبت للعالم تألقُها وتفوّقها، مثلما أيقنت الدنيا بالبرهان ذهاب ريح من يرجو من الذئاب دعماً سريعاً.

قال: ألا ترى سلة الغذاء العربي خاوية، وحولها أربعة عشر مليون جائع في هاوية؟ هو ذا الهيكل العظمي الهالووينيّ شاهرٌ منجله، وأسنانُه تصطك قهقهةً طرباً للعمل العربي المشترك، الذي وقع في شرك. لكن، هل تدري ما الذي يدور في خلدي، ويا ليته يدور في كل خلد، في كل بلد، من والد الوالد إلى ولد الولد؟. قلت: وما ذاكْ، أيها المتذاكْ؟ قال: أصل المشكلة كامن من ملعب مختلف لا يعرف العرب أنه هو مكمن الداء. القضية ليست اقتصادية ولا سياسية ولا اجتماعية ولا تاريخية. نبدأ من الآخر. واهمٌ من يظن أن الماضي هو المسؤول.
الخريطة العربية اليوم، شهدت في قرونها الخالية، حضارات سحرت العالم بروائعها وعلّمت البشرية معاني الثقافة والقيم والعلوم والمعارف. المؤسف أن العقل العربي ينسى كل ذلك في لحظة بمجرد أن يواجه خواجة أبادت دولته الملايين باسم القيم الحضارية. يرى بعينيه بلداناً سُوّيت بالأرض ومع ذلك تختفي من مسرح ذهنه هويته ومقومات وجوده، لا يعود يبصر غير مظاهر العظمة والتحضّر في ذلك التمثال الزائف. القضية هي المناهج العربية التي تعلّم الناس قراءة الأبجدية والكلمات، ولكنها لا تعلّمهم فهم مفردات الحياة. ما قيمة التربية الوطنية التي لا تعلّم التلاميذ أن أوطانهم هي هم، أن تلك الأعلام ليست أقمشة، فتلك شعوب لها سيادة وهوية ومطامح وآمال حاضراً ومستقبلاً.
قلت: ألا ترى أيضاً أن الخطب العصماء، كهذه التي حملتك نسائمها بعيداً، هي الأخرى داء عضال؟. أبشرْ، فقد وضعت الإمبراطورية يدها في القصعة السودانية متوعدة المتقاتلين بعذاب أليم. الطغرائي على حق: «وحسنُ ظنك بالأيام معجزةٌ.. فظُنّ شرّاً وكن منها على وجلِ». سيكتشف العرب عاجلاً لا آجلاً أنه لا سلّة ولا غذاء، لا للسودان ولا للعرب، وأن حلم إعادة التفكير في إحياء السلّة سيكون أضغاث أحلام. الحل العبقري سيكون في اختراع زراعة بلا ماء، بلا نيل، «بلا نيلة».
لزوم ما يلزم: النتيجة الشرطية: يتوقف إدراك العقل العربي هذه المسائلَ على محو الأمية الحياتية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد