: آخر تحديث

عسكريا السودان والتصالح مع المنطق…

8
10
13
مواضيع ذات صلة

لا يستطيع الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان القضاء على قوات الدعم السريع التي على رأسها محمد حمدان دقلو (حميدتي) ولا تستطيع قوات الدعم الانتهاء من الجيش السوداني ووضع يدها على البلد. ثمّ ماذا إذا وضع “حميدتي” يده على البلد؟ ما هو المشروع السياسي والاقتصادي والحضاري الذي يسعى إلى تحقيقه؟

من هذا المنطلق، يبدو أنّ الحرب الداخلية السودانيّة تسير بسرعة نحو مزيد من التعقيدات والتدمير والبؤس والوحشية في بلد لم يعرف وضعا طبيعيا منذ استقلاله في العام 1956.

لا يمكن لوم أي جهة عربيّة على تدهور الوضع السوداني، بما في ذلك مصر التي تعتبر السودان حديقتها الخلفيّة. لا يمكن لوم مصر على الرغم من أنّها معنيّة مباشرة بما يدور في السودان. لدى مصر ما يكفي من المشاكل التي عليها معالجتها في هذه الأيّام. كذلك، عليها الاهتمام بملفات إقليميّة عدّة، إلى جانب الملفات الداخلية. هناك ملفّا ليبيا وغزّة اللذان يعنيان القاهرة مباشرة. في النهاية، لولا التدخّل المصري الفعّال، لما كان ممكنا وقف الحرب الأخيرة التي كان القطاع مسرحا لها بين إسرائيل وحركة “الجهاد الإسلامي” التي ليست سوى أداة إيرانيّة أخرى في المنطقة. لكنّه يبقى أن مصر معنيّة بالسودان بسبب نهر النيل الذي يمرّ فيه والذي يعتبر بمثابة شريان الحياة بالنسبة إليها. سيكون على مصر التدخّل في السودان، بسبب مياه النيل، علما أنّه ليس معروفا هل لديها القدرة على ذلك وهل تستطيع التنسيق مع قوى أخرى في هذا المجال. لا شكّ أنّه توجد قوى أخرى دولية وإقليميّة تمتلك مصلحة في وضع حدّ لما يدور في السودان، خصوصا أنّ استمرار التدهور سيعني المساس بأمن منطقة حيوية هي أمن البحر الأحمر وأمن كلّ دولة من دول القرن الأفريقي.

حقّقت الوساطة السعوديّة، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، نجاحا نسبيا. لكنّ القتال بين الجانبين لم يتوقف. على العكس من ذلك، تمدّد إلى مناطق أخرى، بينها دارفور. ليس ما يشير، أقلّه في المدى المنظور، إلى تأثير لتلويح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بعقوبات، لا على البرهان ولا على “حميدتي”. من الواضح أنّ لدى كلّ من الجنرالين ما يكفي من العناد كي لا ينفع مع أي منهما أي منطق من أي نوع.

يتجه السودان إلى كارثة أكبر، خصوصا أنّه ليس هناك طرف خارجي يستطيع وقفها. إضافة إلى ذلك، هناك غياب واضح للشعب السوداني الذي وقف في العام 2019 وقفة الرجل الواحد واستطاع أن يفرض على كبار الضباط التخلّص من عمر حسن البشير ونظامه الذي استمرّ ثلاثين عاما بالتمام والكمال.

يبدو الوضع السوداني في الوقت الراهن وضعا ميؤوسا منه. يعود ذلك إلى غياب أي منطق يتحكّم بتصرفات الجنرالين… باستثناء منطق الحسابات الشخصيّة لكلّ منهما.

تحكّم منطق اللامنطق بالسودان منذ الاستقلال وذلك منذ تسليم المدنيين السلطة إلى العسكريين في العام 1958 منطلقين من نظريّة أن الجيش هو الحلّ في حين أن الجيوش لا تصنع حلولا في أي بلد في العالم.

يستطيع الجيش لعب دور في توفير الاستقرار الأمني الذي من دونه لا مجال لتحقيق أي نجاح اقتصادي أو تقدّم في النمو في أي مجال من المجالات. تحولت الجزائر إلى بلد بائس عاجز كلّيا عن التصالح مع نفسه وشعبه منذ تولى العسكريون السلطة. حدث ذلك مباشرة بعد الاستقلال في العام 1962. وضع العسكريون، في البداية، واجهة مدنيّة تمثّلت بأحمد بن بلة ثمّ أزالوها متى استنفدوا الغرض المطلوب من الواجهة.

ماذا فعل الجيش بليبيا التي لا تزال تعاني إلى اليوم من انقلاب الضابط معمّر القذافي ورفاقه في أول أيلول – سبتمبر 1969؟ يمكن أيضا التذكير بتجربة سوريا التي تتفتت يوما بعد يوم ولا أمل في إعادتها إلى الحياة منذ الانقلاب العسكري الذي نفّذه ضباط بعثيون في الثامن من آذار – مارس 1963 والذي استكمله الضباط العلويون في 23 شباط – فبراير 1966 تمهيدا لوصول حافظ الأسد إلى احتكار السلطة في 16 تشرين الثاني – نوفمبر 1970.

منذ الانقلاب العسكري الدموي في العراق في 14 تموز – يوليو 1958، لم ير هذا البلد المهمّ يوما أبيض. توالت المصائب على البلد وصولا إلى المصيبة الكبرى التي نتجت عن تسليم إدارة بوش الابن العراق إلى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران في العام 2003.

كي لا نذهب بعيدا، يكفي ما فعله الجنرال ميشال عون، الآتي من الطبقة المسيحيّة دون الوسطى، بلبنان عندما وجد نفسه في قصر بعبدا بين 1988 و1990 وبين 2016 و2022. في المرتين أمعن في تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية وتهجير المسيحيين خصوصا، بمشاركة صهره جبران باسيل ونواب “التيّار العوني” جميعا من دون أي استثناء.

هناك بالطبع استثناءات قليلة، من نوع عهد اللواء فؤاد شهاب الذي أسّس الدولة الحديثة في لبنان. لكنّ القاعدة العامة أنّ الضباط لا يصلحون للسلطة، اللهمّ إلّا إذا استطاع الضابط التخلي نهائيا عن الذهنية التي تفرضها خدمته في القوات المسلّحة واستخدم ثقافته العسكريّة ووضعها في خدمة السياسة. هنا يبرز الدور السياسي لشخص مثل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أو الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات… وقبل ذلك، للضابط أنور السادات في سعيه إلى تغيير المنطقة نحو الأفضل منذ خلف الضابط الريفي جمال عبدالناصر في أواخر أيلول – سبتمبر من العام 1970.

هل من مجال لمصالحة بين المنطق من جهة وكلّ من البرهان و”حميدتي” من جهة أخرى؟ لا يمتلك أي من الرجلين المؤهلات التي تسمح لأيّ منهما بالانتقال إلى السياسة مع ما يعنيه ذلك من تخلٍّ عن مشروع فاشل سلفا مثل كل مشاريع الضباط الذين تعاقبوا على السلطة في السودان… من إبراهيم عبود وصولا إلى البشير، مرورا بجعفر النميري.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد