: آخر تحديث

فرنسا تحنّ إلى ثورتها

14
11
14
مواضيع ذات صلة


لماذا يتساءل الفرنسيون عن المنحدر الذي ينجرفون إليه على غير هدى؟ أليسوا هم الذين نقلوا صاعق الثورة الفرنسية إلى القارّة الجديدة فتلقّفه الأمريكان وأضرموا به النيران في هشيم الجهات الأربع؟ أليسوا هم من قتلوا وشنقوا، وسحلوا وسحقوا في سبيل «تحقيق الديمقراطية والسيادة» للمقهورين؟ عندما استعمروا البلدان صارت ديمقراطيتهم أفظع مطرقة تهوي على الرقاب، بغير ذنب يستحق العقاب. ههنا منطلق الفرس.

تمرّ الشهور والمرجل الفرنسي يغلي، فالفرنسيون يرون أن حياتهم باتت «طبخة بحص». يقيناً، رئيسهم ليس عمر بن الخطاب حتى يترك «ماريان (المرأة التي ترمز إلى فرنسا) تشغل صغارها بطبخة الحصى، ريثما يعود إليها بما تُصلح به عصيدةً تُسكت زقزقة عصافير البطون. الفرنسيون لا تنقصهم الدعابة، فمن أطرف الأشياء وأمتعها أن يتابع المرء حوارات المفكرين وخبراء الجغرافيا السياسية والاستراتيجية وأساتذة التاريخ والعلوم السياسية والاجتماعية في وسائط الإعلام السمعية البصرية الفرنسية. التيّار جارف فالانتقاء ضروري من بين الذين يُسمّون في تراثنا «الثقات»، كثقات النحويّ ثعلب.

الطريف أن الفرنسيين أصيبوا بالعدوى الاصطلاحية، فمحلّلوهم لا يعرفون ما إذا كانت التظاهرات التي أعيت كرّ الليالي ثورةً، انتفاضةً، تمرّداً، عصياناً أم ماذا؟ لكن للمقارنة دعابتها في إسناد الأدوار. المُخرج غير معروف طبعاً، لكنهم يرون أن صاحب الإيليزيه بمثابة لويس السادس عشر، وجان لوك ميلانشون هو نظير روبيسبيير، فقد كان في شبابه تروتسكيّاً ثم أمضى ثلاثة عقود في يسار الحزب الاشتراكي، ثم انتقل إلى الحزب الشيوعي بعد ذلك. لكن لا حديث عن ماري أنطوانيت ولا عن «البريوش» (أهلّة المعجّنات)، بالرغم من أن القدرة الشرائية لدى «الشرائح المشرشحة» من الشعب الفرنسي هي «ما أشبه الليلة بالبارحة».

لا يُعقل أن يكون الفرنسيون جميعاً ساذجين، معصوبي الأعين عن رؤية الواقع. ما معنى أن تنفضّ ثلاثة أرباع الشعوب والأمم من حول الغرب؟ ما معنى أن يغدو الغرب الذي طالما ادّعي القيم الحضارية، ويعد بتحرير الشعوب ونشر الديمقراطية، أنظمةً باغية طاغية؟ ما معنى أن تمسي الأنظمة الغربية غير قادرة على إقناع شعوبها بمخططاتها الاقتصادية وسياساتها. الشارع لم يعد يصدّقها. إضراب الأطبّاء في بريطانيا حال دون إجراء 250 ألف عملية جراحية. هي ذي الحضارة الغربية: إلى العالم الثالث دُرْ، إلى القهقرى سِرْ: الفساد المالي والإداري والأكاذيب، السطو المسلح باحتلال البلدان وتدميرها وإفشال الدول...

لزوم ما يلزم: النتيجة العكسية: القيم أقوى من أن تُسحق. يقول المتنبي: «ومن يجعلِ الضرغامَ بازاً لصيدهِ.. تصيّده الضرغامُ فيما تصيّدَا».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد