هناك تعبير أميركي ذائع عندما يجتمع القوم من أجل التداول أو البحث في حدث مهم، وتكون أذهانهم منشغلة بأمر لا يقل أهمية ولكن لا أحد يريد الحديث فيه؛ فيظل هذا الثقل الثقيل يلقى بحجمه وثقله على الحدث الكبير. ذلك الأمر الأخير يسمى الفيل الذي في الحجرة، ورغم ضخامة حجمه التي لا يمكن تجاهلها فإن أحدًا لا يريد أخذه في الاعتبار حتى لا تضيع أهمية ما اجتمعوا من أجله. الحرب الأوكرانية كانت ذلك الفيل الذي حل بالجمع العالمى الذي اجتمع في مدينة شرم الشيخ المصرية لبحث مصير كوكب الأرض والتعامل مع الخلل المناخي الخطير الذي حل بها.
الحضور من القادة والزعماء وأصحاب الفخامة والسمو في «كوب ٢٧» هائل، وكسر كل التوقعات الحضور الكثيف من قادة الدول الكبير منها والصغير، وحتى من أعلنوا عن عدم الحضور تراجعوا عندما وجدوا ليس فقط أن الاهتمام بقضية المناخ ضرورة، وإنما لأن هناك حفلًا لا يستطيع أحد من الساسة تجاهله لاعتبارات داخلية وخارجية. وفشلت كل محاولات من لا يريدون خيرًا بمصر في جذب الأنظار بعيدًا عن النجاح المصري في عقد المؤتمر أولًا، وأن يكون الجمع بعد ذلك متميزًا ثانيًا؛ فلا أحد بعد ذلك يمكنه أن يرى المؤتمر مجرد واحد من مؤتمرات الأمم المتحدة التي تُنسى.
الرئيس السيسي كان هو الذي فض عقدة الفيل عندما أعلن في افتتاح مبادرة الشرق الأوسط الخضراء عن أنه لا يمكن تجاهل الحرب الجارية وبضراوة وشراسة لا يمكن غض الطرف عنها؛ والمؤكد أنه لا يمكن القبول باستمرارها ونتوقع بعد ذلك حل إشكاليات وعقد ومعضلات المناخ ومخاطره التي لا يمكن حلها دون توافق عالمي بين الدول الصناعية الكبرى، والتي هي في نفس الوقت جزء من التوتر العالمي الحالي. العلاقة بين «كوب ٢٧» والقوى المتورطة في إشكاليات النظام الدولى، الولايات المتحدة والصين وروسيا وأوروبا، هي ذاتها التي تتحمل القدر الأعظم من الانبعاثات الحرارية التي ترفع درجة حرارة الأرض، وتسيل الثلج في القطب الشمالي، وتتسبب في ارتفاع مياه البحار، ومعها التغيرات المناخية الكارثية الحالية.
الدول الصناعية الكبرى، وهي الدول العظمى والكبرى في عالم اليوم، كانت وللأمانة هي التي نقلت إلى الدنيا الثورات الصناعية المتتابعة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين؛ ولكنها كانت على الجانب المقابل هي التي رفعت حرارة الأرض. بقدر ما كان ذلك سبيلًا إلى تقدم الجنس البشري، وطول عمره، وازدياد رفاهيته بما أتت به من مخترعات جعلت السفر بالسيارة أو الطائرة أو القطار أسرع بكثير من ركوب الحصان. وكانت هي التي كثفت وأسرعت بالاتصال الإنساني كما لم يحدث في التاريخ من قبل منذ اكتشاف قدرات الحمام الزاجل. ولكنها على الجانب الآخر كانت هي التي أطلقت من طاقة الشر ما قاد إلى حربين عالميتين ساخنتين، وحرب عالمية باردة تقوم على الردع النووي المهدد لسلامة الكوكب.
من السهل بعد كل ذلك أن نحمِّل هذه الدول المسؤولية عما جرى لكوكبنا من جراء ثورات صناعية كنا نريد دومًا اللحاق بها؛ والآن فإنها تضيف لما جرى حربًا كبرى ساخنة تجري في أوكرانيا، وأخرى باردة تطهى على نار باردة في تايوان.
لا مفر في الواقع في هذه الحالة وتلك من وجود مسار ثالث، وربما كتلة دولية أخرى تدفع في اتجاه نوع من التوافق الدولى مثل ذلك الذي جرى بعد الحرب العالمية الثانية وأدى إلى مولد الأمم المتحدة ومؤسساتها التي تفرعت وحاولت بناء عالم يقوم على قواعد ونظم. ولكن ما جرى في سبعة وسبعين عامًا لم يحدث فجأة وإنما سبقه فكر دولي نما خلال سنوات ما بين الحربين العالميتين انتقد معاهدة فرساي وما أدت إليه من مرارات لدى ألمانيا، وتجربة عصبة الأمم التي هربت منها الولايات المتحدة بعد أن سعت إليها، وحذرت من فجر جديد للعدوان من جراء سباق التسلح والأفكار الفاشية.
للأسف في الوقت الراهن لا توجد أفكار حول إعادة بناء النظام الدولي مرة أخرى. كان هناك رهان أن تكون كثافة الاعتماد المتبادل مانعة للحرب، وضامنة للسلام؛ ولكنه كان في النهاية وسيلة من وسائل العقاب والانتقام.
وهناك رهان آخر على استيقاظ مجموعة «البريكس» ولكن هذه تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، واثنان منها متورطان في الصراعات القائمة، ومساهمان كبيران في ارتفاع حرارة الأرض؛ والحقيقة أنه لم يخرج من المجموعة حتى الآن ما يوقف لا الحرب ولا الاحتباس الحراري. هل غياب الفكر هو الفيل الحقيقي في الحجرة؟!.

