: آخر تحديث

أرض التسامح والحوار

12
9
11
مواضيع ذات صلة

بخلاف المجتمعات التي بعضها ما يزال يعاني الويلات ويعيش حالة حرب من أجل استرداد حقوقه المهدورة، والتي عصفت بها الانقسامات والتشظيات لأسباب كثيرة ومختلفة لعل من أهمها انعدام الثقة بين مكونات هذه المجتمعات وسيادة العدائية والتطرف أداة لتحقيق ذلك، فإن المجتمع البحريني عُرِفَ على مدار التاريخ، قديمه وحديثه ومعاصره، وتعاقب أجياله بأنه حاضرة تنوع ديني وعقائدي مستقرة وحاضنة للتسامح وتعايش المختلفين، ومؤتلف لجميع الطوائف يمنح أفراده حرية الإيمان بالعقائد وممارسة الشعائر بالشكل المكفول اجتماعيا ودينيا، ولهذا فإن مجتمع هذه الجزيرة المتصالح مع نفسه ومحيطه كان دوما مقصدا للإقامة والعمل والسياحة.

 هذا المجتمع البحريني المنسجم منذ الأزل مع قيم التنوع والحق في الاختلاف نسيج اجتماعي فريد قُدَّ عبر هذا الزمن المديد نسيج عبر تعايشت على جزره ديانات متعددة ومذاهب مختلفة وأعراق وإثنيات متنوعة، ولكنه حافظ دوما على تجانسه الفريد في سياق تعددي جميل؛ لتكون ثمرة كل ذلك ما نعايشه اليوم في مملكة البحرين، وما نراه من مجتمع بحريني تفرد بتركيبته الفسيفسائية التي رصف التاريخ المشترك عناصرها في لوحة بديعة زادها ما تنعم به هذه الأرض الطيبة، أرض جلجامش ونبتة الخلود، من سلام اجتماعي وجد في بيت الحكم الخليفي عمود ميزانه وتوازنه ودرعه الحامي من كل المناوئين والعابثين، وظفر بقيادة حضرة صاحب الجلالة المعظم الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه قائدًا عادلاً حكيمًا نافذ البصيرة كفل جميع الحريات والممارسات الدينية والمذهبية وما تعلق بها من طقوس من دون قيود، إلا تلك التي تمس مرتكزات الوحدة الوطنية وتنتهك حرمة النسيج الاجتماعي.

 هذا الواقع الإنساني الذي وجده البحرينيون مجَسَّدًا في مجتمعهم كان نتاج قيمة التسامح التي اجتمع الأولون على أن تكون قيمة معيارية مرجعية تحكم آداب سلوكهم الاجتماعي وطرائق التعامل فيما بينهم واعتبروها مقوما من مقومات السلام الاجتماعي وركيزة أساسية له. فقيمة التسامح هي التجربة الثرية والخبرة المتراكمة عبر الأجيال، وحريّ بالبحرينيين الاعتداد بها وعرضها لتوسيع انتشارها حتى تأخذ حيزها اللازم في التعامل بين بني البشر؛ إذ إنها الحل السحري للخلافات جميعها والضامن الأكبر للعيش معًا. إن قيم التسامح والحوار والاعتراف بالآخر خير الكوابح الديمقراطية الحادة من سيل الكراهية المندفع من هنا وهناك ومن العنصرية الطافحة مع كل موجة شعبوية يعتلي أصحابها سدة الحكم، وخير السبل لضمان حرية العقيدة والحق في التنوع والاختلاف أيا كان مظهره، أعرقيًا كان أم حضاريًا أم دينيًا أم إيديولوجيا.

 وإيمانا بدور البحرين وموقعها التاريخي ومكانتها المستمدة من إرثها التاريخي الثري، وتعميما لهذا المنجز الحضاري الذي راكمته الخبرات البحرينية عبر الأجيال وتبادل هذه الخبرات، جاءت مبادرة جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة إلى عقد ملتقى البحرين... حوار الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني يومي الثالث والرابع من شهر نوفمبر، ودعوة قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان الذي يأتي في زيارة تاريخية إلى البحرين، وفضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر مع كثير من قادة الأديان والمذاهب ورجال الفكر والفلسفة لتعميق الحوار وتبادل الأفكار والرؤى واستعراض تجارب التعايش النموذجية ومنها تجربة البحرين الرائدة في هذا المجال.

 هكذا هي البحرين، كانت وسوف تستمر في احترام حقوق الإنسان، ولا ينبغي أبدا أن نلتفت نحن المواطنين لبعض الأصوات الناعقة في الداخل والخارج التي لا يروق لها ما تعيشه البحرين من أجواء الأمن والأمان والسلم والسلام والعيش الكريم والتعايش الفريد بين أديان ومذاهب وأعراق عرفت باختلافها فإذا بها تحول في أرض البحرين الطيبة اختلافها إلى حوار وتعايش نُسجت به فسيفساء المجتمع البحريني الجميلة، وهي ذات الأصوات التي تستثمر في الفرقة والفتن ولا ينسجم مع مصالحها السياسية «الحزبية» الطائفية الضيقة ما تحققه مملكة البحرين على صعيد حقوق الإنسان، وهي في العموم أصوات يتهاوى وقعها في ظل الإنجازات الحقوقية التي تحققها حكومات سيدي صاحب الجلالة المعظم.

 ولعلي هنا أختم بما تتناوله الأخبار القادمة من وراء الحدود وهي على علاقة وشيجة بقيمة التسامح. فمن المصادفات العجيبة أنه في الوقت الذي يلتقي في البحرين رجال دين وفكر وفلسفة ليناقشوا سبل جعل المختلفين في الدين والمذهب والتفاوت الثقافي والحضاري أكثر تقبلا لبعضهم البعض، فإن هناك من تجرأ في البرلمان الفرنسي بدعوة إرجاع الفرنسيين من أصول أفريقية إلى أفريقيا، ومن نادى في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تدمير روسيا لأنها، برأي صاحب الدعوة السيناتور الأمريكي عن ولاية ميريلاند جيمي راسكين، ذات قيم مسيحية تقليدية! والعجيب أن هذا البرلماني، وهذا السيناتور، ينتميان إلى دولتين تصمان آذاننا بالحديث عن حقوق الإنسان. ولعل الأخطر أن تصريح السيناتور الأمريكي صادر من سياسي قد تتيح له الديمقراطية الأمريكية أن يصبح رئيسا، فكيف سيكون حال العالم برئيس أمريكي قد يكون كجيمي راسكين؟!

 ملتقى الأديان بمملكة البحرين رسالة محبة وسلام ودعوة للتسامح والحوار من المجتمع البحريني وحكومته ممهورة بختم جلالة الملك المعظم إلى مجتمعات العالم وحكوماتها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد