إيلاف من بيروت: في مشهد يختزل مفارقات الداخل الكوري الشمالي، افتتح الزعيم كيم جونغ أون شخصيًا منتجع "وونسان-كالما" الساحلي الجديد، في خطوة وصفتها وكالة الأنباء المركزية الرسمية بأنها "حدث سياحي وطني يضاهي الكنوز قيمة ومكانة". ويأتي المشروع الفاخر على وقع تقارير دولية متكررة عن معاناة إنسانية في البلاد، وأوضاع معيشية صعبة تواجهها شرائح واسعة من السكان.
المنتجع، الذي جرى تدشينه في 24 حزيران (يونيو)، يتضمن حدائق مائية، وفنادق شاهقة، ومرافق إقامة تستوعب نحو 20 ألف نزيل، ويُعد من أبرز استثمارات كيم في قطاع السياحة منذ سنوات. وقد أعلنت السلطات أن خدمات الضيافة ستبدأ رسميًا في 1 تموز (يوليو)، من دون توضيح الفئات المؤهلة للاستفادة من المشروع أو كيفية الوصول إليه، علماً بأنه يقع بجوار مطار دولي، ما يعكس تطلع النظام إلى جذب العملات الأجنبية.
وفي مشهدٍ طغى عليه الطابع الرمزي، ظهر إلى جانب كيم في حفل قص الشريط كل من زوجته ري سول جو، وابنته التي يُعتقد أنها كيم جو آي، ما فُسّر بأنه تأكيد على الطابع العائلي والإرث السياسي المرتبط بالمشروع. وكان السفير الروسي لدى بيونغ يانغ الحضور الدولي الوحيد في المراسم، في إشارة إضافية إلى تنامي العلاقات بين موسكو والنظام الكوري الشمالي.
وفي وقت سابق هذا الشهر، افتُتحت محطة قطار "كالما"، التي وُصفت بأنها توفر "راحة عالية للمسافرين"، ما يعزز تكامل البنية التحتية المرتبطة بالمشروع.
وتوقّع خبراء أن المنتجع سيكون في بداياته محصورًا بالنخبة السياسية والاقتصادية في بيونغ يانغ، وفقًا لما قاله ليم يول-تشول، أستاذ دراسات كوريا الشمالية في جامعة كيونغنام. وأضاف: "الرؤية التي يقدمها كيم عبر هذا المشروع تعكس مفهومًا لما يسميه 'الحضارة الاشتراكية'، ومحاولة لاستخدام السياحة بوصفها أداة اختراق اقتصادي في ظل العقوبات".
وبحسب راشيل مينيونغ لي، الباحثة غير المقيمة في برنامج "38 نورث"، فإن المنتجع قد يفتح تدريجيًا أمام الزوار الروس، خاصة مع قيام وكالة "فوستوك إنتور" الروسية بالترويج لباقات سياحية تشمل الإقامة فيه بدءًا من 7 تموز (يوليو)، لمدة 8 أيام، مقابل نحو 1,840 دولارًا أميركيًا.
غير أن هذا الانفتاح المحدود لا يخفي الحواجز الكبرى: فرغم مظاهر الترف، تبقى السياحة في كوريا الشمالية خاضعة لرقابة صارمة، وتُقيّد تحركات الزائرين، وفقًا لشهادات سابقة أوردتها شبكة CNN عن سُيّاح روس حضروا رحلات مماثلة في منتجع "ماسيكيونغ".
ويرى محللون أن الخطوة قد تُستخدم داخليًا للترويج لـ"منجزات" النظام، فيما يطرح المراقبون أسئلة حول الجدوى الاقتصادية، واستدامة هذه الوجهات السياحية في ظل قيود السفر والضغوط الدولية.
التجربة الأهم لكوريا الشمالية في السياحة الدولية تعود إلى مشروع "جبل كومغانغ"، الذي استقطب بين 1998 و2008 نحو مليوني زائر من كوريا الجنوبية. غير أن المشروع توقف فجأة إثر مقتل سائحة كورية جنوبية على يد جندي كوري شمالي، ما عكس هشاشة العلاقات بين البلدين. وتم لاحقًا هدم أجزاء كبيرة من تلك المنشآت، ووصفتها بيونغ يانغ بأنها "متخلفة".
ويرى مراقبون أن منتجع كالما، رغم صور الرفاهية الظاهرة، يختصر تناقضات الواقع الكوري الشمالي؛ فمن جهة، هو عرض للقوة والتنمية، ومن جهة أخرى، هو استثناء محاط بأسوار داخل دولة تعاني من أزمات غذائية واقتصادية خانقة، وتقبع تحت وطأة عزلة شبه كاملة على المسرح الدولي.