إيلاف من الرباط: في ركن هادئ من شاطئ سيدي رحال، القريب من مدينة الدار البيضاء، جلس أب مع طفلته الصغيرة "غيثة"، يستمتعان برمال الشاطئ وصوت البحر وتموجات المياه.
ولمنحها مزيداً من البهجة، وضعها في حفرة صغيرة في الرمل، حفرها معا، وجلس بجوارها يراقب ضحكاتها البريئة وهي تعبث بيديها الصغيرتين بالرمال. لم تكن قد أتمّت عامها الرابع بعد، لكن فرحتها كانت تملأ المكان.
لحظات فقط، ابتعد الأب ليجلب لها ماءً، وعيناه لا تفارقان مكان لعبها، وبعد استئناسه بالمكان، ظناً منه أن لا شيء يُمكن أن يهددها في هذا الركن الهادئ، إلا أنه في غفلة قصيرة، انقلب كل شيء.
صرخة... اصطدام... ودماء
في رمشة عين، اخترقت سيارة رباعية الدفع رمال الشاطئ، تجر خلفها دراجة مائية (جيتسكي)، ومرت مباشرة فوق جسد الطفلة، لتدهس رأسها وتحوّل ضحكتها إلى صرخة صامتة.
الأب، المهاجر المغربي العائد من إيطاليا لقضاء عطلة الصيف في ربوع الوطن، لم يصدق ما رآه. يقول وهو مختنق بالبكاء "رأيت رأس ابنتي مفتوحاً، وفكها السفلي خارج مكانه"، ويضيف بألم شديد "لم تقوَ قدماي على حملي، زحفت إليها وأنا أصرخ، لكن الصوت لم يخرج من شدة الرعب".
وفي غياب سيارة إسعاف، وجد الأب نفسه في سباق مع الموت، فحمل غيثة بيديه المرتجفتين داخل السيارة نفسها التي تسببت في الحادث، وانطلق بها نحو مصحة خاصة في الدار البيضاء.
كانت الصدمة أكبر حين كشفت الفحوصات الطبية عن كسر في الجمجمة، ونزيف داخلي، وتضرر بالغشاء الدماغي.
خضعت الطفلة لعملية جراحية مستعجلة، وما تزال إلى الآن، تصارع مصيرها في غرفة الإنعاش، وسط دعوات بالشفاء ومعركة مفتوحة بين الحياة والموت".
العائلة، التي عادت لتغسل تعب الغربة بماء الوطن، غرقت في دموع لا تنتهي. أما الأب، فصار منزله بلا طعم ولا حياة، يقول بصوت منكسر، في تصريحات صحفية، "لم أعد أستطيع العودة إلى البيت...البيت بلا ضحكة غيثة، بلا خطواتها، بلا صوتها... هو قبر مفتوح".
الحادث المفجع أعاد فتح جراح قديمة حول فوضى الشواطئ المغربية، خاصة في سيدي رحال، حيث تتحول الرمال إلى طرقات للسيارات و"الجيتسكي"، في ظل غياب شبه تام لأي مراقبة أو تنظيم.
وتوثق مواقع التواصل الاجتماعي هذه الممارسات الخطيرة، التي باتت تهدد أرواح المصطافين، وتحول الشاطئ من فضاء للفرح إلى منطقة موت محتمل.
صرخة المجتمع المدني: "ما وقع لغيثة جريمة"
أثارت الحادثة موجة استنكار واسعة في صفوف النشطاء المدنيين والجمعيات الحقوقية ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين وصفوا ما حدث بـ"جريمة متكررة باسم الإهمال".
وفي تصريحات متطابقة، اعتبرت جمعيات حقوقية أن نزول السيارات والدراجات المائية إلى الشواطئ دون ترخيص أو تنظيم يشكّل تهديداً يومياً لحياة المواطنين، مؤكدين أن "ما وقع لغيثة ليس استثناءً، بل نتيجة لفوضى كان بالإمكان تفاديها لو كانت هناك رقابة حقيقية وقوانين مفعّلة".
وانتقد النشطاء دور الجماعات الترابية والسلطات المحلية، محمّلين إياها مسؤولية التقصير في حماية الحق في الحياة، واصفين صمت الجهات المعنية بـ"تواطؤ غير مباشر".
وجاء في أحد البيانات، أن "غيثة ليست فقط ضحية سيارة، بل ضحية صمت مؤسساتي جعل من الشواطئ أماكن غير آمنة للحياة".
وطالبت فعاليات مدنية في سيدي رحال وبرشيد بـفتح تحقيق شامل وتحديد المسؤوليات، مع محاسبة الجهات التي سمحت بولوج المركبات إلى الشاطئ، داعين وزارة الداخلية إلى إصدار مذكرة استعجالية تمنع بشكل صارم دخول السيارات والدراجات المائية إلى الشواطئ المغربية، باستثناء ما هو مرخّص له بشكل واضح في إطار الأنشطة المؤطرة.
وفي مواقع التواصل، تحوّلت صورة "غيثة" إلى رمز لطفولة مسحوقة تحت العجلات، وسط تضامن وطني واسع، ومطالب متزايدة بـ"العدالة لغيثة" التي يجب ألا تنتهي عند محاسبة السائق فقط، بل تمتد لتشمل المنظومة برمتها، التي سمحت بوقوع المأساة.
وحسب والد غيثة فان الطفلة الان تجاوزت مرحلة الخطر، وهي الان في بيت أسرتها.