إيلاف من الرباط: أبدى وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، تمسكه بمشروع قانون المسطرة الجنائية، كما أعدّته الحكومة، رافضًا إدخال أي تعديل عليه بناء على رأي استشاري لمؤسسات الحكامة.
وقال وهبي ، في مداخلة مثيرة خلال يوم دراسي نظّمه الفريق النيابي لحزب الاتحاد الاشتراكي ( معارضة برلمانية) الجمعة بمجلس النواب، إن "سلطة التشريع تعود حصريًا إلى البرلمان، دون سواه"، رافضا تدخل مؤسسات دستورية أخرى في النقاش التشريعي، في إشارة مباشرة إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهيئة النزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، اللتين أبدتا تحفظات جوهرية على بعض مقتضيات المشروع، خصوصًا المادة الثالثة المتعلقة بملاحقة الجرائم المالية. إذ جدد الوزير القول بأن "البرلمان وحده هو من يملك سلطة التشريع، وليس هناك أي جهة أخرى تملك الحق في تغيير نص أو توجيه النقاش حوله".
جانب من أشغال اليوم الدراسي
وأضاف "لا أريد الدخول في صدام مع المؤسسات الدستورية، لكن عليها أن تعرف حدود أدوارها، وأنه ليس من اختصاصها أن تتدخل في مضامين القوانين أو توجه النقاش البرلماني".
واعتبر وهبي أن بعض التقارير الصادرة عن هذه المؤسسات "تجاوزت الطابع الاستشاري لتتحول إلى مذكرات توجيهية"، متسائلًا "هل لهذه الهيئات الحق في أن تقترح تعديلات على النصوص؟ أم أنها تتعدى صلاحياتها حين تطلب نصوصًا تقع في صلب اختصاص البرلمان؟".
وأضاف وهبي موجها كلامه للبرلمانيين ورجال القانون الذي شاركوا في اليوم الدراسي، بنبرة لا تخلو من استياء "اقرؤوا ما كتبوا، سترون العجب العجاب".
وفي رده على ملاحظات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، دافع وزير العدل عن مقترح منح رؤساء الجماعات الترابية امتيازًا قضائيًا، معتبراً أن ذلك "يحميهم من حملات التشهير والاتهامات العشوائية التي قد تقضي على مستقبلهم السياسي والاجتماعي"، مشيرا إلى أن "العديد من الشكاوى المرتبطة بالفساد تحوّلت إلى محاكمات إعلامية سابقة على أي حكم قضائي".
وذهب وهبي إلى حدّ التشكيك في دور الاجتهاد القضائي، واصفًا إياه بـ"الخطر الأكبر على حقوق الإنسان"، وقال "أخطر ما يهدد الديمقراطية هو أن يتم تأويل النصوص القانونية وفق اجتهادات شخصية، لأن القاضي يمكنه أن يقول: هذه نية المشرع. ومن يحدّد نية المشرع؟ هل شخص واحد، أم غرفتا البرلمان بكل مكوناتهما؟".
وفي معرض دفاعه عن بنية المشروع، أوضح وهبي أن قانون المسطرة الجنائية هو "قانون الشكل، أي قانون الديمقراطية"، الذي يوضح طرق وإجراءات التقاضي أمام المحاكم، مشيرًا إلى أن قراءة مواده لا يمكن أن تتم بشكل مجزأ. وقال "نحن أمام نصّ معقد، تربط مادته الأولى بمقتضيات أخرى تتحدث عنها المادة 200 و300 من نفس القانون، ولا يمكن التعامل معه بمنطق التعديل الجزئي".
وانتقد الوزير وهبي النقاش الشعبوي حول بعض فصول المشروع، معلقًا بسخرية "أي ديمقراطية نتحدث عنها؟ ديمقراطية المثقفين أم ديمقراطية مجلس المستشارين؟ نحن نعرف المستوى الثقافي لبعض أعضائه".
رأي استشاري لمؤسسات الحكامة
من جانبها، عبّرت هيئة النزاهة والوقاية من الرشوة، في مذكرة تفصيلية رفعتها لمجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) الإثنين الماضي، عن قلقها من أن الصيغة المقترحة للمادة 3 "قد تُكرّس نوعًا من الحصانة القضائية غير المعلنة"، مطالبة بمراجعة بنود المشروع التي قد تُقيّد صلاحيات تتبع وملاحقة المتورطين في اختلاس المال العام. كما دعت إلى "تحصين وضعية المبلغين عن الفساد"، وتوسيع دائرة ولوج المجتمع المدني إلى مسارات المحاسبة.
بدوره، حذر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من أن تركيز الاختصاص في محكمة واحدة بالرباط سيؤدي إلى "تمييز سلبي" في ولوج المواطنين للعدالة، و"ضرب مبدأ القرب القضائي"، كما اعتبر أن هذا التوجه قد يخلق "شعورًا بالإفلات من العقاب".
لكن وهبي ردّ بقوة على هذه الآراء، معتبرًا أنها تتجاوز دورها، وقال "لسنا ضد الحوار، لكن الحكومة بلغت السقف الأعلى من المشاورات. نحن مقتنعون بصيغة المشروع، وسنخرجه إلى حيز الوجود".