إيلاف من بيروت: في أول مقابلة منذ انتخابه رئيسًا للبنان، تحدث العماد جوزيف عون إلى رئيس تحرير "الشرق الأوسط"، الزميل غسان شربل بصراحة غير مسبوقة، مؤكدًا أن احتكار الدولة للسلاح وقرار الحرب والسلم هو معركة لا تراجع عنها.
وبينما يترقب اللبنانيون زيارته المرتقبة إلى السعودية، كشف عون عن تطلعاته لإدماج لبنان في "رؤية السعودية 2030"، مشيدًا بالموقف الحاسم للأمير محمد بن سلمان في إنهاء الفراغ الرئاسي.
"الرئاسة ليست كقيادة الجيش"
لم يكن انتقال الجنرال جوزيف عون من قيادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية تحولًا بسيطًا. فالرجل الذي اعتاد على "أمر اليوم" الحازم وجد نفسه في قلب متاهة السياسة اللبنانية، حيث "واحد زائد واحد قد يساوي صفرًا.. أو عشرة.. أو حتى مئة"، بحسب تعبيره.
"في الجيش، كان المجال عسكريًا وأمنيًا بحتًا، والعلاقات الخارجية محصورة بالجيوش الأخرى. أما في القصر الجمهوري، فالنطاق أوسع بكثير، عليك التعامل مع الاقتصاد، والدبلوماسية، والسياسة، وكل العلاقات الخارجية. في الجيش، لديك حرية حركة، تزور المراكز، تلتقي بالعسكريين، تتخذ قراراتك بسرعة. أما في الرئاسة، فالبروتوكولات والتوازنات تكبّلك".
لكن عون لا يرى هذا التحول عائقًا، بل اختبارًا جديدًا: "أتيت من مدرسة الانضباط العسكري إلى مدرسة تحتاج إلى الانضباط ولكن بمقاربة مختلفة".
لبنان تعب من حروب الآخرين
يحلم اللبنانيون منذ عقود بعودة دولتهم القوية، ولكن هل هذا الحلم قابل للتحقيق؟
يجيب عون بحزم: "نعم.. تعب لبنان. تعب اللبنانيون من أن يكونوا ساحة لحروب الآخرين. تعبوا من انقسامات السياسيين الذين يتصارعون على حسابهم. لبنان يستحق أن يخرج من هذه الدوامة، وأن ينعم بنقاهة اقتصادية وسياسية".
ويضيف: "أنا عشت معاناة اللبنانيين على الأرض. أربعون عامًا في الجيش، منها ثماني سنوات في قيادته، جعلتني أرى كل شيء عن قرب. لهذا كان خطاب القسم الذي ألقيته هو انعكاس لهذه التجربة، وليس مجرد كلمات بروتوكولية".
الدولة وحدها من تقرر
من أخطر القضايا في لبنان: السلاح خارج الدولة، فهل ينجح جوزيف عون في إنهاء هذه المعادلة؟
"لا يوجد شيء مستحيل.. إذا قررنا بناء دولة، فالسلاح يجب أن يكون محصورًا بها، وقرار الحرب يجب أن يكون بيدها وحدها، لا بيد أي طرف آخر. هذه هي السيادة.. وإذا كنا جميعًا نتحدث عن سيادة لبنان، فهذا هو معناها الحقيقي".
لكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟
يرى عون أن "الأمر يتطلب خطة واضحة ومسارًا طويلًا، والظروف هي التي ستحدد متى يتحقق الهدف بالكامل، لكن لا تراجع عنه. الجيش منتشر اليوم على كامل الأراضي اللبنانية، وهذا جزء من استعادة السيادة."
ويتابع: "لم يعد مسموحًا لغير الدولة حماية الأرض. هذه مسؤولية الدولة وحدها. وعندما يتعرض لبنان لأي اعتداء، الدولة هي التي تقرر كيف تواجهه، وكيف تستعين بعناصر القوة لديها".
"القرار 1701 ليس محل نقاش.. سننفذه بالكامل"
ملف القرار 1701 الذي ينص على انسحاب المسلحين من جنوب لبنان ونزع السلاح خارج الدولة ظل معلقًا لسنوات. فهل سينفذه جوزيف عون؟
يجيب بحزم: "القرار 1701 ليس محل بحث أو تفاوض، نحن ملتزمون بتطبيقه بالكامل. الحكومة نالت الثقة، وسنبدأ التنفيذ على مراحل، كما بدأنا بالفعل في الجنوب اللبناني". ويضيف: "تم تفكيك المخيمات غير الشرعية وسحب السلاح منها. التركيز حاليًا على الجنوب، وهناك تعاون كامل من الجميع، وسنواصل الخطوات تدريجيًا".
وعن موقف "حزب الله" من هذا الملف، يرى عون أن الخطاب الأخير للقيادي نعيم قاسم كان إيجابيًا، إذ قال بوضوح: "المقاومة أساس وخيار إيماني، لكن الدولة هي المسؤولة عن إدارة الصراع".
السعودية.. أول وجهة خارجية لجوزيف عون ولماذا؟
لم يكن اختيار السعودية كأول محطة خارجية لعون أمرًا عاديًا، فالرئيس اللبناني يؤكد أن العلاقة بين البلدين "تاريخية واستراتيجية، ولا بد من إعادة تصحيحها بعد كل التوترات التي حصلت".
ويقول بوضوح: "السعودية منصة للسلام والاستقرار في المنطقة، ونحن نريد أن نكون جزءًا من رؤيتها الاقتصادية 2030. كما أن الدور الذي لعبه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في إنهاء الشغور الرئاسي كان أساسيًا، وهذه الزيارة تأتي لشكر القيادة السعودية على جهودها، ولإعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح".
كما كشف عون أنه سيطلب إعادة تفعيل الهبة العسكرية السعودية للجيش اللبناني، مشددًا على أهمية الدعم السعودي للبنان عسكريًا واقتصاديًا.
لبنان بين واشنطن وطهران.. هل يخشى عون الضغوط؟
وسط تزايد التوترات الإقليمية، سُئل جوزيف عون عن إمكانية تعرض لبنان لضغوط أميركية، فأجاب: "نحن لم نتعرض حتى الآن لأي ضغوط مباشرة. كل ما هو مطلوب هو تنفيذ القرار 1701، وإجراء الإصلاحات الاقتصادية ومكافحة الفساد، وهذه ليست ضغوطًا بل مطالب مشروعة لبناء الدولة".
أما عن العلاقة مع إيران، فيؤكد عون: "علاقتنا يجب أن تكون على أساس الند للند، وليس بين دولة وفريق سياسي معين داخل لبنان. نريد علاقة طبيعية مع الجميع، لكن على قاعدة الاحترام المتبادل".
ملف الودائع.. هل يحصل اللبنانيون على أموالهم؟
ملف الودائع المصرفية الذي تسبب في مأساة اقتصادية للناس، كان حاضرًا في الحوار. فهل يستطيع عون حلّه؟
"التزمت في خطاب القسم بألا أتهاون في أموال المودعين. هذا الملف لا يمكن تجاهله، لكنه يتطلب حلولًا واقعية عبر التعاون بين الدولة والمصارف والمودعين".
أما عن الفساد، فيقول بلهجة صارمة: "القضاء المستقل هو الأساس في أي إصلاح، ومن هنا طلبت من هيئة مكافحة الفساد أن تضرب بيد من حديد".
هل يكشف عون حقيقة انفجار المرفأ؟
عن تفجير مرفأ بيروت، أكد عون: "الحقيقة يجب أن تظهر. أنا لدي 8 عسكريين استشهدوا هناك، وأريد معرفة السبب. من كان مسؤولًا يجب أن يحاسب، وإذا كان هناك إهمال أو فساد، فيجب أن نعرف من كان وراءه".
وحول إمكانية تدخله لحماية شخصيات سياسية متورطة؟
"لن أتدخل لحماية أحد.. حتى لو كان أخي".
رسالة أخيرة من جوزيف عون إلى اللبنانيين
"لا تدعوا الطائفية تدمّركم. لا الأحزاب ولا الطوائف تبني دولة. الدولة وحدها هي من تحمي الجميع. حان الوقت لنتجاوز الماضي، ونعيد لبنان إلى ما كان عليه قبل 1975.. (سويسرا الشرق)".
*أعدت إيلاف التقرير عن "الشرق الأوسط": المصدر