حقق الزعيم الشعبوي المخضرم المعادي للإسلام، خيرت فيلدرز، فوزا دراماتيكيا في الانتخابات العامة الهولندية، بعد فرز جميع الأصوات تقريبا.
وبعد أن أمضى 25 عاماً في البرلمان، من المتوقع أن يحصد حزب "الحرية" الذي يتزعمه فيلدرز 37 مقعداً، متفوقا على أقرب منافسيه، التحالف اليساري، بفارق كبير.
وهز فوز فيلدرز المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، القوى السياسية في هولندا، وأحدث صدمة في جميع أنحاء أوروبا أيضاً.
لكن، يتعين عليه إقناع الأحزاب الأخرى بالانضمام إليه لتشكيل ائتلاف يضمن تأييد 76 عضواً في البرلمان المؤلف من 150 مقعداً.
وقال فيلدرز لبي بي سي إنه مستعد للتفاوض والوصول إلى تفاهمات مع الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة برئاسته.
و جاء فوز فيلدرز بعدما نجح في استغلال الإحباط الواسع في أوساط الرأي العام الهولندي من الهجرة متعهداً بإغلاق الحدود لكنه أجَل حظر القرآن في البلاد.
من هو فيلدرز ولماذا جعل العداء للإسلام والمهاجرين محور نشاطه السياسي؟
يُعرف فيلدرز بأنه سياسي هولندي شعبوي، يرأس حزباً قومياً ينتمي إلى اليمين المتطرف، هو حزب "الحرية" الذي طان ثاني أكبر حزب تحت قبة البرلمان الهولندي قبل اجراء الانخابات الأخيرة.
وغالباً ما كان فيلدرز يثير الجدل بسبب خوضه حرباً لا هوادة فيها ضد الهجرة و ما يسميه بـ "أسلمة هولندا"، وقد تعرض للمحاكمة أكثر من مرة بتهم التحريض والتمييز ضد جماعات عرقية ودينية.
وأدين قبل بضع سنوات، بإهانة المغاربة، وبرأته محكمة في امستردام من تهمة التحريض على الكراهية والتمييز.
و خلال الفترة التي سبقت التصويت، غالباً ما كان يتفوق على منافسيه خلال المناظرات التلفزيونية الليلية، حول قضايا اللجوء والهجرة، والتي تدغدغ مشاعر الهولنديين.
لكن فيلدرز الآن يرفض إطلاق صفة اليميني المتطرف عليه.
وقال لبي بي سي: "نحن بلد مبني على التوافق، و ليس في بلادنا حتى هذا العدد الكبير من اليمينيين، ولن تكون لدينا أبدا". "بل يتم تجاهل السكان الأصليين بسبب الهجرة الجماعية، حيث يشعرون بسوء المعاملة".
ولجعل حزبه أكثر قبولا لدى الناخبين من التيارالرئيسي، أعلن أن خطط حزبه لحظر القرآن والمدارس الإسلامية والمساجد ذهبت أدراج الرياح، وقد ساعدت هذه الإشارة الواضحة للاعتدال، حزبه على مضاعفة تمثيله في البرلمان، حيث زاد عدد مقاعده من 17 إلى 37 مقعدا.
وينظر بعض المسلمين في هولندا إلى انتصار حزب فيلدرز بذعر وخوف، ويخشون من أن تكون الفترة المقبلة صعبة.
وقال محسن كوكتاش، رئيس هيئة الاتصال الخاصة بالمسلمين والحكومة، للتلفزيون الهولندي: "بالنسبة لنا كمسلمين، لم نعد نشعر بالأمان".
ولا تزال بعض سياسات فيلدرز، مثل مطالبته بحظر الحجاب في الأماكن العامة، موجودة في برنامج حزبه.
حياته
ولد فيلدرز في مدينة فينلو الهولندية في عام 1963 من أب هولندي وأم ولدت في أندونيسيا، ونشأ في عائلته كاثوليكية قبل أن يعلن إلحاده في مرحلة لاحقة من عمره.
بعد إنهائه مرحلة الدراسة الثانوية، قرر فيلدرز السفر لرؤية العالم، وكان يرغب بالسفر إلى أستراليا، لكنه لم يستطع فعل ذلك لعدم امتلاكه للمال الكافي، فتوجه إلى إسرائيل، حيث عمل هناك لأكثر من سنة، كما زار بعض الدول العربية المجاورة. وقد كانت لرحلته تلك أثر كبير في آرائه السياسية لاحقا.
بدأ فيلدرز حياته السياسية بالعمل في كتابة الخطابات في حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية، وتدرب تحت رعاية زعيم الحزب، فريتس بولكستاين، حتى أصبح مساعدا برلمانيا له في الفترة من 1990 إلى 1998.
ونجح في الحصول على عضوية مجلس النواب في عام 1998 ممثلا عن حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية الليبرالي المحافظ، لكنه ما لبث أن أعلن انفصاله عن الحزب إثر خلاف بشأن موقفه من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004.
وفي عام 2006 أعلن تأسيس حزبه الخاص اليمني المتطرف "الحرية" الذي نجح في الحصول على تسعة مقاعد برلمانية في الانتخابات في العام نفسه.
ونجح في انتخابات عام 2010 في رفع عدد مقاعده إلى 24 مقعدا ليصبح ثالث أكبر حزب تحت قبة البرلمان. ولكنه تراجع في الانتخابات العامة في عام 2014 ليحصل على 15 مقعدا فقط وليخسر تسعة من مقاعده.
وعاد الحزب ليصبح حزب المعارضة الرئيسي وثاني أكبر حزب في البرلمان بعد حصوله على 20 مقعدا في انتخابات عام 2017.
كما جاء الحزب في المرتبة الثانية في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2014 بحصوله على 26 مقعدا فيه.
استثمار سياسي مبني على العداء للإسلام
بات فيلدرز معروفا بسياساته الشعبوية وتعمده إثارة قضايا خلافية، ليظل دائما تحت الأضواء، وهي في الغالب موجهة ضد الإسلام والمسلمين.
وقد جرت محاكمته بتهم تتعلق بالتحرض ضد جماعات عرقية ودينية. وكان أخرها رفض محكمة هولندية الطعن الذي تقدم به ضد قرار محكمة أدانته بتهمة إهانة جماعة عرقية، لكنها برأته من تهمة التحريض على الكراهية والتمييز.
وكانت محكمة هولندية قد أدانته في عام 2016 في أعقاب تقدم نحو 6400 شخص بشكاوى للشرطة ضده بسبب تصريحات أدلى بها أثناء حملته في الانتخابات المحلية في لاهاي.
وفي ذلك التجمع الانتخابي سأل فيلدرز أنصاره عما إذا كانوا يريدون مغاربة أكثر أم أقل في هولندا والذين بدورهم هتفوا "أقل .. أقل"، فابتسم قائلا: "سنعمل على تحقيق ذلك".
وقد خلص قضاة المحكمة إلى أنه رغم أن هذه الهتافات كانت مسيئة، إلا أن فيلدرز حرّض عليها لأغراض سياسية، وبالتالي لا ترقى الى مستوى التحريض على الكراهية والتمييز.
وسبق لفيلدرز أن هاجم المغاربة في هولندا أيضا في عام 2016 عندما وصف بعضهم بأنهم "حثالة"، لكنه أكد أنه لا يستطيع تعميم هذه الصفة على جميع المغاربة.
وكان فيلدرز قد حوكم في عام 2011، على تصريحات معادية للإسلام بعد مقارنته الدين الإسلامي بالنازية والدعوة إلى حظر القرآن. وقد تمت تبرئته في هذه القضية، و هو الأمر الذي أعتبر على نطاق واسع أنه دعم دعائي كبير له.
كما أنتج فيلما قصيراً تحت عنوان "فتنة" عرض عبر الإنترنت في عام 2008 حاول فيه الربط بين الدين الإسلامي والقرآن والإرهاب، مما أثار انتقادات وضجة كبيرة.
وفي حادثة أخرى أثار فيلدرز أزمة مع الأردن عندما دعا الحكومة الهولندية إلى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وإطلاق تسمية فلسطين على الأردن لتكون وطنا بديلاً للفلسطينيين.
كما أثار أزمة أخرى مع المملكة العربية السعودية عندما وزع ملصقات أواخر عام 2013 تشبه العلم السعودي، ولكنه استبدل عبارة "لا اله الا الله" بعبارات مسيئة للإسلام.
كما تعهد سابقاً بفرض حظر على هجرة المسلمين إلى هولندا وإغلاق المساجد في البلاد إذا فاز برئاسة الوزراء.
لكن، يبدو أن الأمور تتغير بعض الشيء بعد فوزه في الانتخابات حيث قال لبي بي سي إنه مستعد للتفاوض والتوصل إلى حلول وسط مع الأحزاب الأخرى ليصبح رئيسا للوزراء.
وقد تستمر مفاوضات تشكيل ائتلاف حكومي جديد أشهراً وربما تطلب منه أحزاب الوسط التخلي عن البنود الأكثر راديكالية في برنامج حزبه قبل الدخول في تحالف معه.
ويريد فيلدرز فرض قيود صارمة على الهجرة ووقفاً كاملاً لطلبات اللجوء إلى هولندا، وهي مقترحات قد يتعين عليه تخفيفها في محادثات الائتلاف.
ويريد أيضاً "صد" طالبي اللجوء الذين يسعون إلى دخول هولندا من دول الاتحاد الأوروبي المجاورة وترحيل أولئك الذين يدانون بارتكاب جرائم جنائية.
أما الأفكار الأخرى، مثل تقديم تصاريح عمل لمواطني الاتحاد الأوروبي، فسوف يتم الطعن فيها أمام محكمة العدل الأوروبية، و من غير المرجح أن تجاريه أحزاب يمين الوسط في ذلك. لكنه قد يجد الدعم لخفض عدد الطلاب الأجانب في هولندا بشكل كبير.
وأقرب حلفائه في الاتحاد الأوروبي ينتمون إلى اليمين القومي.
وقد رحب كل من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والسياسية الفرنسية اليمينية المتطرفة مارين لوبان، وزعيم حزب فوكس الاسباني سانتياغو أباسكال، بانتصاره.
لكن نجاحه لا يختلف عن فوز جيورجيا ميلوني في الانتخابات الإيطالية قبل عام حيث تراجعت ميلوني أيضاً عن بعض سياساتها الأكثر تطرفاً وحصدت المكافأة في صناديق الاقتراع.
ومن المبكر للغاية أن نجزم ما إذا كان خيرت فيلدرز قادراً على سلوك نفس النهج.