نطالع في الصحف العبرية الصادرة صباح اليوم مقالا في هاآرتس للحقوقي الإسرائيلي إيتاي ماك، يشدّد فيه على ضرورة الإطاحة بحماس، لكن من دون قتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين.
واستهل ماك بالقول إن المجتمع الدولي "غضّ الطرف عن جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكنه أيضا غضّ الطرف عن عقيدة حركة حماس وأهدافها".
ورأى الكاتب أن ثمة حقيقة ينساها كثيرون هي أن حماس "منظمة إبادة جماعية تقوم على أساس من المعتقدات الأصولية المتشددة".
وزعم ماك أن حماس تتطلع إلى "استئصال اليهود من على الأرض الواقعة ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط، ما لم يوافق هؤلاء على العيش في نظام إسلامي شمولي" على حد تعبيره.
وقال الحقوقي الإسرائيلي إن تلك الأيديولوجية هي ذاتها أيديولوجية النظام الإيراني الذي يدعم حركتَي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين وكذلك جماعة حزب الله في لبنان.
ورأى ماك أن التناقضات التي انطوت عليها بيانات حركة حماس خدعت المجتمع الدولي وجعلته يظن أن قصة حماس تشبه قصة منظمة التحرير الفلسطينية، التي تخلّت قياداتها منذ حقبة الثمانينيات من القرن المنصرم عن حلمها القديم بتدمير إسرائيل قبل أن تنتهي تلك القيادات إلى التوقيع على اتفاقية أوسلو.
واتهم صاحب المقال، حماس، بتعمُّد "إبادة المدنيين" الذين كانوا في المواقع التي داهمتها الحركة الأسبوع الماضي في جنوب إسرائيل.
وقال ماك إن على المجتمع الدولي الوفاء بالتزاماته بموجب القوانين والمعاهدات الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب للحيلولة دون تعرّض الشعب اليهودي لـ"عملية إبادة جماعية أخرى وللإطاحة بنظام حماس"، لكن في الوقت ذاته لا ينبغي التضحية في سبيل ذلك بالمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.
وأضاف الحقوقي الإسرائيلي بالقول إنه وفي أعقاب هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بدا الأمر وكأن إسرائيل قد حصلت على الضوء الأخضر من حلفائها الغربيين لشنّ اجتياح بريّ شامل لقطاع غزة بهدف الإطاحة بنظام حماس.
لكن إسرائيل وكذا المجتمع الدولي يعرفان جيدا، من تجربة حرب لبنان في العام 1982، أن جموعا من المدنيين المحليين قد تتضرّر.
ورأى الكاتب أنه في غياب إمكانية مغادرة سريعة لكل المدنيين في قطاع غزة، يمكن لأيّ اجتياح بريّ إسرائيلي أن يتمخض عن ضرر غير مسبوق للمدنيين الفلسطينيين، وذلك بسبب طبيعة الحرب في المناطق المكتظة بالسكان.
"أمريكا والعالم يقفان على مفترق الطرق"
وننتقل إلى صحيفة ذا تايمز أوف إسرائيل، حيث نطالع مقالا للكاتب سام ليتفين ينادي فيه بضرورة التمييز بين حركة حماس وبين فلسطين.
ويرى سام أن "حماس ليست هي الفلسطينيين؛ وإنما هي النظام الحاكم في قطاع غزة".
وتساءل الكاتب "هل نرغب حقاً في أن نقف في صفّ أولئك الذين يبرّرون الإرهاب لأي سبب كان؟ لأنه إذا اعتُبر الإرهاب أسلوبا مشروعا لسبب ما ضد شعب ما، فسيصبح بذلك أسلوبا مشروعا لأي سبب كان ضد أيّ شعب".
وأوضح سام: "إذا تسنّى لأحد أن يبرر الإرهاب ضد إسرائيل، فسيتسنّى لغيره أن يبرر الإرهاب ضد أمريكا أو فرنسا أو أي بلد آخر".
ورأى صاحب المقال أن أمريكا والعالم يقفان على مفترق طرق، وأن الاستقرار العالمي يتوقف على اختيار الوجهة في هذا المفترق.
وقال سام: "إمّا أن نستمر في دعم قيَمنا التي ترى أنه لا مبرر للإرهاب، وأن أنظمة الحكم التي تعتمد الإرهاب والإبادة الجماعية والتي تبدأ حروبا وتستخدم شعوبها دروعا بشرية - هي أنظمة بغيضة، وإمّا أن نحتوي حركة حماس، ونبدأ في تبنّي الإرهاب كوسيلة شرعية من أجل إحداث تغيير سياسي".
ومضى الكاتب يقول: "علينا أن نكون واضحين في أن تأييد حركة حماس -ومحاولة منع إسرائيل من القيام بكل ما يمكنها لإنهاء هذه الحرب التي بدأتها حماس– لن يفضي إلى مساعدة الشعب الفلسطيني، بل سيُبقي عليه داخل هذه الحلقة المفرغة من العنف. تماماً كما أن عدم إنزال الهزيمة بـبوتين في أوكرانيا من شأنه أن يجعل الزعيم الروسي يواصل عدوانه في المنطقة وفي أنحاء العالم الديمقراطي".
واختتم سام قائلا: "إنه على مَن يتبنّون قيَماً ديمقراطية أن يسألوا أنفسهم إلى مَن يوجّهون دعمهم؟ وهل هؤلاء الذين يتلقّون ذلك الدعم يتبنّون هم أيضا قيماً ديمقراطية؟"
"لا يجب أن ننسى مشاهد تلك الحرب"
ونختتم جولتنا من صحيفة يديعوت أحرونوت ومقال عن مشاعر الإسرائيليين إزاء الحرب المشتعلة مع حركة حماس منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
ورأى الكاتب يائير كيتان أن أكثر ما كان يحبّه في أبناء شعبه الإسرائيلي هو السخرية السوداء، على حد تعبيره.
وفي ذلك يقول يائير: "إننا قادرون على التعامل مع أي كارثة عبر إطلاق النكات بلا هدف، والتي لن يفهمها سوى أولئك القريبين منا وسيجدون فيها شيئا من الراحة".
لكن "السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وما تلاه من أيام، جاء بمثابة جدار فاصل؛ فلم نعد نضحك من يومها"، أو لم يعد كثيرون منا يشعرون أن في الإمكان أن نضحك أو أن نغنّي في أثناء قيادة السيارة على أنغام الموسيقى كسابق عهدنا.
يقول الكاتب: "لن أستطيع أبدا أن أصفح عن أي شخص كان في منصب بينما كان التهديد يتشكل".
ويضيف يائير: "رغم ألم المعاناة، فإنني لا أرغب في نسيان ما وقع. لا أرغب في أن تختفي صور الضحايا وتنطمس أسماؤهم ويصبحون مجرد أرقام ... إنما أريد أن يبقى الألم يعتصرني للأبد فيجد هؤلاء الضحايا بذلك مَن يعيش معهم".
وتابع الكاتب الإسرائيلي: "إننا لا نملك صورة واحدة أو تسجيلا للحظة واحدة من وقائع يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وإنما استيقظ معظمنا في السادسة والنصف من صباح ذلك اليوم ليفتح عينيه على صور ومشاهد لا تزال تلازمنا منذ ذلك الحين ولم تغادرنا".
ويمضي يائير قائلا: "ليس في وسع أحد أن يستمر كما كان في سابق عهده، في عالم قادر على إنتاج هذا الكَمّ من الرعب، عالم يضمّ بشراً يحتفلون بهذا الرعب ويوزعون الحلوى في ظل ذلك".
ويستدرك الكاتب في نهاية مقاله: "بعد بضعة أيام من الأرق وفقدان الشهية، ستُغمض الأعين .. وسيمضي مزيد من الوقت، وسوف أجدني يوما أكتب بحماس عن مباراة كرة قدم .. وسنستسلم للضحك ذات يوم بينما نشاهد فيلما كوميديا .. ذات يوم ستتوارى هذه الحرب في ثنايا الذاكرة. وهو ما لا يجب أن يحدث".