تشغل الدول العربية معظم مساحة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي، وهي مناطق تمتاز بالجفاف، فلا يوجد أي نهر كبير ينبع منها، لكنّ هناك أنهاراً معدودة تصب في بعض دولها التي دخل عدد منها قائمة الدول الشحيحة المياه.
أصبح الجفاف ظاهرة تميز هذه المنطقة بيئياً بسبب تضافر عوامل عدة، منها ندرة الأنهار، وقلة سقوط الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، والاستخدام غير الحكيم للمياه، سواء في الزراعة أو في الاستخدامات المنزلية. ومع التراجع في وفرة المياه في معظم دول المنطقة، تزول إلى الأبد بعض المناطق ذات الميزة الحضارية مائياً منذ آلاف السنين، التي دخلت قائمة التراث الإنساني، ومن ضمنها منطقة الأهوار في جنوب العراق.
إلى زمن قريب، كان العراق من الدول الثرية بالمياه في المنطقة يشكو في مواسم سقوط الأمطار من مخاطر الفيضانات، خصوصاً نهر الفرات في وسط وجنوب العراق، وكانت العاصمة بغداد نفسها مهددة بالغرق في أكثر من موسم فيضاني، خصوصاً في عام 1954، ولكن الصورة سرعان ما تغيرت بسرعة قياسية منذ عام 1970 من القرن الماضي حين بدأت كل من تركيا وإيران ببناء السدود على مجاري الأنهار لأغراض شتى، منها إنتاج الطاقة الكهربائية أو توسيع مساحات الأراضي الزراعية أو ربما لأغراض أخرى.
ووفقاً لدراسة أجراها معهد البحر الأبيض المتوسط للدراسات الإقليمية «معهد ميديترايانة» في أغسطس 2021، وهو مؤسسة أكاديمية غير حكومية، فقد العراق الجزء الأكبر من موارده المائية خلال فترة زمنية وجيزة، فعلى سبيل المثال بلغ حجم المياه التي دخلت العراق في عام 1933 عبر نهر الفرات من تركيا وسوريا 30 مليار متر مكعب، في حين بلغ 9.5 مليارات متر مكعب فقط في عام 2021.
الجفاف يعكس حضوره بوضوح في العراق بمظاهر شتى، فهناك انخفاض ملحوظ في منسوبي نهري دجلة والفرات، وتشققات عميقة في الأراضي التي كانت زراعية، واختفاء تام لبحيرة حمرين في محافظة ديالى، وجفاف بحيرة ساوة التاريخية في محافظة المثنى، وهناك شكوك كبيرة حول إمكانية القيام بالزراعة الصيفية. الأزمة في تفاقم مع زيادة عدد السكان وارتفاع معدلات استهلاك المياه للفرد الواحد، جنباً إلى جنب التلوث الذي يزداد في بعض الأنهار والبحيرات.
أخذ التصحر يغزو الأراضي العراقية من دون أن تجد الحكومات المتعاقبة وسائل لمواجهة ذلك؛ لأن موضوع المياه، رغم حيويته الفائقة، فإنه لم يلقَ على مر الزمن ما يكفي من العناية، فليس ضعف ثقافة الفرد هي الملومة، وهي فعلاً كذلك، ولكن التخطيط الحكومي والسياسات العامة هي الملومة بدرجة أكبر.
هناك تقصير وقصر نظر في التعامل مع قضية المياه منذ الأيام الأولى لتأسيس الدولة العراقية في عام 1921، التي لم تعر اهتماماً لموارد مياهها، فلم تتخذ أي موقف من معاهدة لوزان التي أبرمت في عام 1923 بين بريطانيا (الدولة المحتلة) وتركيا الحديثة، والتي رسمت وفقها حدود كل من سوريا والعراق على منحدرات جبال طوروس وزاغروس بدل أعاليهما، حيث تترسب الثلوج بكثافة؛ ما أفقد الدولتين السيطرة على نهري دجلة والفرات وروافدهما. كما أن الحكومات المتعاقبة في العراق منذ ذلك الحين لم تولِ الخطط التركية التي بدأت منذ عهد الرئيس أتاتورك لبناء السدود على مجاري هذين النهرين اهتماماً يذكر، ولم تتخذ أية احتياطات تحسباً لما نشهده اليوم.
أزمة العراق المائية فتحت أبواب النقاشات حول جواز استخدام ما يتوافر فيه من مياه جوفية وسط مبالغات غير معقولة في حجمها نفتها وزارة الموارد المائية، مشيرة إلى أن حجمها غير محدد بشكل دقيق، وهو لا يتجاوز خمسة مليارات متر مكعب، ولا يمكن استخدامه إلا في حالات الطوارئ؛ لعدم إمكانية تعويضه بسبب قلة الأمطار.
والحقيقة ليس هناك سوى حل واحد يمكن أن يلجأ إليه العراق، هو تفعيل وتنشيط مطالبته بحقوقه المائية على المستويات الإقليمية والدولية، فالأنهار التي تصب في أراضيه ليست ملكاً لدول منابعها، فكل منها منظومة بيئية متكاملة نشأت فيها وارتبطت بها حياة الملايين من الكائنات الحية؛ بشرية وحيوانية ونباتية، عبر التاريخ قبل نشوء الدول، فالعراق لا يستطيع الذهاب نحو تحلية مياه البحر إلا بقدر محدود، فذلك مكلف للغاية؛ لأن معظم المدن العراقية تقع على مسافات بعيدة عن الخليج العربي من جهة، ولارتفاع نسبة الأملاح فيه، التي تبلغ مداها قرب العراق من جهة أخرى.