إيلاف من لندن: يعتبر مرعي رويشد الرمثان الملقب بـ"أبو حمزة"، الذي قتلته غارة جوية أردنية فجر الإثنين، من الشخصيات الغامضة كمصيره، الزعيم الفعلي لعشيرته، وقائد المليشيا الأقوى في بادية السويداء.
والرمثان، هو المسؤول عن إحدى أبرز شبكات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن الذي يعتبره المطلوب الأول له في سوريا، بحسب وسائل إعلام أردنية.
ولا تتوفر إلّا صور نادرة للرمثان، فهو حريص على عدم انتشار صوره، إذ شهدت حياته تحولاً دراماتيكياً من راعي ماشية في عام 2006، إلى أحد أهم تجّار المخدرات، والأثرياء، جنوبي سوريا.
قرية الشعاب
وينحدر الرمثان، البالغ من العمر نحو 47 عاماً، من قرية الشعاب، الواقعة في بادية السويداء، على بعد نحو 20 كم شمال الحدود السورية الأردنية، والشعاب قرية صغيرة، يقطنها نحو 3 آلاف نسمة، أغلبهم ينتمون لعشيرة الرمثان، التي ينتشر أفرادها على جانبي الحدود في سوريا والأردن.
ويشكّل الرمثان مع العشرات من أفراد عشيرته، ميليشيا مسلحة، بعتاد فردي ومتوسط، تنفذ مهاماً أمنية في البادية لصالح المخابرات العسكرية، وتتولى عملية تهريب المخدرات ضمن منطقة نفوذها.
وكانت صفحات "الجنوب السوري" قد وثقت مقتل أربعة من أفراد عشيرته، في أبريل/نيسان الماضي، برصاص حرس الحدود الأردني، في أثناء محاولتهم تهريب المخدرات، وكان من بين القتلى طفل دون سن الرابعة عشرة.
التلفزيون السوري
واللافت أن اسم مرعي الرمثان، ظهر منذ سنة في تقرير على تلفزيون النظام السوري الرسمي، يشير إلى تورطه في عمليات تهريب المخدرات.
ومن المعروف عن تلفزيون النظام، تلقّيه تعليمات أمنية في هذا النوع من الملفات، ما يدفع للتساؤل هنا، هل احترقت ورقة الرمثان؟ أم أنها صفقة لابتزازه واقتسام ثروته؟.
إذ يمتلك مرعي الرمثان ثروة كبيرة، منها عقارات ومطاعم في دمشق، والمئات من رؤوس المواشي والإبل، وسيارات عديدة، إحداها مصفحة ضد الرصاص، اشتراها من حزب الله اللبناني، ولا يستقر في مكان واحد، فهو يتنقل دائماً بين السويداء ودمشق ولبنان.
عوامل القوة
والموقع الجغرافي لقرية الرمثان على مشارف الحدود الأردنية، وارتباطه بشبكة واسعة من العلاقات التي تربطه مع شخصيات أمنية رفيعة المستوى في شعبة المخابرات العسكرية السورية، فضلاً عن الشراكة التي تجمعه مع تاجر المخدرات اللبناني الشهير، نوح زعيتر، وشخصيات من حزب الله، كلها عوامل جعلت الرمثان أحد أبرز متزعمي شبكات تهريب المخدرات بين سوريا والأردن.
ويبقى من المهم الإشارة إلى أن اسم مرعي الرمثان، أكبر من حجمه ودوره في ملف تهريب المخدرات، الذي تديره شبكات منظّمة من أمراء الحرب والسلطة في سوريا ولبنان، كالفرقة الرابعة ، وحزب الله، وليس للرمثان في هذا الملف، إلّا مهمة محددة: نقل المخدرات من سوريا إلى الأردن ضمن منطقة نفوذه الجغرافية.
شخصيات جنوبية سورية
وعلى غرار مرعي، توجد شخصيات عديدة في الجنوب السوري، مثل حسين المبروك، ومهيد الغياث، وعايد الشويعر، وغيرهم من زعماء شبكات التهريب. وبعد الإعلان عن مقتله انتهى دور مرعي، فمقتله إن حصل، لا يعدّ تغييراً في قواعد اللعبة، فالمخدرات لا تزال تتدفق من سوريا إلى الأردن بكميات كبيرة، وفق الرواية الرسمية الأردنية.
ويستقطب مرعي الرمثان شباب العشائر في المنطقة ويعمل على زجهم في الشبكة التي يديرها، ومهمتها تقتصر على عملية تهريب المخدرات، من مراكز التجميع في قرية الشعاب إلى الأراضي الأردنية. هذه المراكز عبارة عن بيوت سكنية قريبة من الحدود يجتمع فيها المهربون قبل الانطلاق إلى العملية. وتتشارك عمليات التهريب شبكات منظمة من العصابات والمجموعات المسلحة ذات الارتباطات الأمنية، وتؤدي كل مجموعة أدواراً متعددة رغم أنها محددة، مثل حماية الطرقات وتأمين حمولة المخدرات في مناطق نفوذها.
معامل الانتاج
وتتركز معامل الإنتاج، غالباً، في لبنان وأرياف دمشق وحمص. وبعد الإنتاج تبدأ جماعات مسلحة متعددة الولاءات بنقل الحمولة ضمن مناطق نفوذها، بحيث يحصل تسليم دوري من مجموعة إلى أخرى، وصولاً إلى الوجهة النهائية في مراكز التجميع جنوب سوريا.
وتعبر تلك الجماعات نقاط التفتيش بطرق مختلفة، منها عبر الرشوة أو الارتباط المباشر بقوى أمنية وعسكرية تابعة للنظام مثل الفرقة الرابعة وشعبة المخابرات العسكرية.
كما يتولى في بعض الأحيان متعاقدون مدنيون مع هاتين الجهتين عملية نقل المخدرات عبر الحواجز الأمنية. وعند دخول محافظة السويداء تنتهي مهمة المتعاقدين، حيث تُسلم الحمولة لجماعات محلية مسلحة ذات نفوذ في مناطقها، وتنقل المخدرات إلى مراكز التجميع لتتولى شبكات جديدة داخلها عملية التهريب إلى الأردن، وفق الدراسة السابقة.
وذكرت دراسة صادرة عن “الجمهورية نت” وهي مجلة إلكترونيّة تُعنى بالشؤون السياسية والثقافية للمسألة السوريّة، أن شبكات التهريب تسلك ثلاث طرقٍ لنقل المخدرات من سوريا إلى الأردن، تختلف عن بعضها باختلاف المنطقة وطبيعة تضاريسها.
معبر جابر - نصيب
ففي جنوب محافظة درعا يستغل المهربون حركة التبادل التجاري في معبر جابر – نصيب، لنقل المخدرات داخل شاحنات نقل البضائع عبر إخفائها بمخابئ سرية أو حشوها بين البضائع. وفي 7 شباط (فبراير) الجاري، أعلنت الجمارك الأردنية إحباط كوادرها في مركز جمارك جابر محاولة تهريب حبوب مخدرة من نوع كبتاغون تقدر كميتها بمئتي ألف حبة.
أما المناطق الحدودية جنوب السويداء، حيث لا توجد أي معابر رسمية، “تستغل عصابات التهريب التضاريس الصعبة وانتشار الوديان، مثل وادي خازمة، ولا تتحرك إلا في الأجواء الضبابية التي تضعف الرؤية فيها، وعندها يتسلل المهربون إلى الأردن سيراً على الأقدام، وفي مجموعات يراوح عدد أفرادها بين 15 و20 شخصاً، حيث ينقل كل مهرب حمل مخدرات يزن حوالى 30 إلى 35 كيلوغراماً، ويلبسه كسترة شتوية. وتتألف الحمولة عادةً من الكبتاغون والحشيش والترامادول والكريستال ميث”.
ويتقاضى المهرب الواحد ما بين 8-10 آلاف دولار إذا نجح في إيصال حمولته إلى منطقة في الداخل الأردني تبعد من الحدود مسافة كيلومتر تقريباً، حيث يسلمها لأشخاص أردنيين ويعود إلى سوريا.
ويرافق كل مجموعة شخصان مسلحان على الأقل، مهمتهما إطلاق النار والتغطية على أفراد المجموعة الذين يتخلصون من حمولتهم في حال حدوث أي اشتباك مع حرس الحدود، ويفرّون باتجاه الأراضي السورية.
الطريقة الثالثة تعتمد على نقل المخدرات بواسطة سيارات دفع رباعي تحمل كميات كبيرة من المخدرات، وأحياناً الأسلحة.
تتبع عصابات التهريب هذا الأسلوب في البادية السورية – الأردنية التي تُعد المسافة الأطول للحدود المشتركة، ويسهل فيها هامش المناورة.
وفي ليلة 11 شباط (فبراير) الماضي، أعلن الأردن عن إحباط المنطقة العسكرية الشرقية، في عمليات متزامنة في مواقع عدة، محاولات تسلل قامت بها مجموعة من الأشخاص الذين يقودون آليات لتهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة والأسلحة الآتية من الأراضي السورية. ونشرت القوات المسلحة الأردنية في صفحتها على فايسبوك صوراً لمخدرات وأسلحة وسيارات صادرتها خلال العملية، وقالت لاحقاً إنها اكتشفت جثتين للمهربين بعد تمشيط المنطقة.
تورّط أم تقصير؟
على رغم أن حرس الحدود السوري ينتشر في مخافر ونقاط على طول الحدود السورية – الأردنية باستثناء منطقة نفوذ التحالف الدولي، حيث تفصل بين نقاط حرس الحدود مسافة تراوح بين 3 و5 كيلومترات، إلا أن ذلك لم يحقق أية فعالية في التصدي للمهربين.
ونقلت الدراسة المنوه عنها سابقاً عن عنصر من حرس الحدود التابع لقوات النظام السوري “أن ضعف الإمكانات وعدم توفر تقنيات رصد ومراقبة يجعلان وجودهم في المنطقة بلا فائدة، على عكس القوات الأردنية المجهزة بتقنيات حديثة”.
ويصف العنصر وضع الجنود السوريين في هذه المنطقة بـ”المعاناة القاسية، إذ يضطرون يومياً للمناوبة في مكامن خارج محارسهم، لا سيما في الأجواء الشتوية، مع تعرض نقاطهم، أسوةً بالبيوت السكنية القريبة، لإطلاق نار عند أي اشتباك بين المهربين وحرس الحدود”. ويتابع: “لا نجرؤ على إطلاق النار من دون تعليمات، وحتى إن طُلب منا التعامل، فإن أيدينا المرتجفة من شدة البرد، قد لا تقوى على تلقيم السلاح”. وفي أواخر العام الماضي 2021، قُتل جندي سوري من حرس الحدود جراء الاشتباكات في المنطقة، وبعد ذلك جالت قوات روسية في النقاط الحدودية للاطلاع على متطلبات الحرس، وقدمت وعوداً لهم بتقديم تجهيزات ومعدات، لكنها غادرت من دون رجعة.
النظام السوري
وفي مقابل هذا التقصير، تكشف العلاقات القوية بين متزعمي شبكات التهريب ومسؤولين في أجهزة المخابرات السورية في المنطقة الجنوبية عن تورطها في دعم هذه الشبكات، وفق الدراسة ذاتها.
فقد أجرى مرعي الرمثان، أبرز متزعمي شبكات التهريب، احتفالاً داعماً للنظام في قريته العام الماضي، حضره مسؤولون في أجهزة أمنية. ولم يكن هذا الظهور العلني الأول لمسؤولي المخابرات في ضيافة متزعمي شبكات التهريب، ففي عام 2020 تداول ناشطون صوراً لحضور قادة الفروع الأمنية في محافظة السويداء مجلس عزاء لأحد أبرز مهربي المخدرات من عشائر منطقة المقوس في السويداء. وتساهم هذه العلاقات في منح غطاء أمني لمتزعمي شبكات التهريب، وهذا ما يفسر تنقلهم بحرية تامة في مناطق سيطرة النظام.