: آخر تحديث
إجلاء الجنود المصريين.. ولا هدنة

معارك السودان تحصد أكثر من 270 مدنياً

42
49
46

الخرطوم: فرّ آلاف المدنيّين من الخرطوم تحت القصف الأربعاء، حيث أسفر القتال المستمرّ لليوم الخامس تواليا بين قوات الدعم السريع والجيش عن مقتل أكثر من 270 مدنياً.

سيرًا أو في مركبات، وعلى طرق تغطّيها جثث وهياكل مدرّعات متفحّمة، عبَر آلاف السودانيين وسط أزيز الرصاص ودوّي القذائف خلال المعارك بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، والجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي يقود البلاد منذ انقلابهما المشترك في 2021.

شهادات حيّة
وقال علويّة الطيب (33 عاماً) لوكالة فرانس برس وهو في طريقه جنوباً "الحياة مستحيلة في الخرطوم". وأضاف "فعلت كلّ شيء كي لا يرى أولادي الجثث.. لأنّهم مصدومون بالفعل".

من جهته، قال محمد صالح (43 عاماً) وهو موظف حكومي "نذهب إلى أقارب لنا في ود مدني"، عاصمة ولاية الجزيرة الواقعة على بعد 200 كيلومتر جنوب العاصمة. وأضاف "نخشى مهاجمة منازلنا"، بينما يجوب الجيش وعناصر قوات الدعم السريع الشوارع.

لا هدنة
والجنرالان اللذان يخوضان حرب "وجود" على ما يبدو وفق الخبراء، صمّا آذانهما حتى الآن أمام الدعوات لوقف إطلاق النار أو على الأقل لإعلان هدنة مؤقتة لإجلاء المدنيين من أخطر الأحياء.

وكما حصل الثلاثاء، أعلنت قوات الدعم السريع "هدنة لمدّة 24 ساعة" ابتداءً من الساعة الرابعة مساءً بتوقيت غرينتش، رغم أنّ هدنة الثلاثاء لم تدم دقيقة واحدة، وفقاً للبعض.

لم يعد البقاء ممكنًا في الخرطوم منذ السبت مع انقطاع الكهرباء والمياه الجارية - الكهرباء والمياه لا تعودان سوى لبضع ساعات في بعض الأماكن - والرصاص الطائش الذي يخترق النوافذ وحتى الجدران. وتنهمر أحيانا من السماء صواريخ لتحوّل مبنى أو مستشفى إلى كومة من الأنقاض.

الجنود المصريين
توازيا تم إجلاء 177 جنديا مصريا كانت قوات الدعم السريع قد احتجزتهم في السودان، "إلى جمهورية مصر العربية"، وفق ما أعلن ليل الأربعاء-الخميس الجيش السوداني.

وكان الجيش المصري أعلن في وقت سابق أنه يجري "جميع التنسيقات مع جهات الاختصاص المختلفة بدولة السودان الشقيقة لتأمين عودة كافة عناصر القوات المسلحة المصرية بسلام إلى أرض الوطن". وبحسب الجيش المصري كان هؤلاء العناصر موجودين في قاعدة جوية في شمال السودان لإجراء "تدريب مشترك" حين غرق السودان السبت في الفوضى.

وقُتل أكثر من 270 مدنياً في المعارك الدائرة في البلاد منذ السبت، بحسب ما أعلنت الأربعاء سفارات 15 دولة غربية في الخرطوم في بيان مشترك، محذّرة من أنّ هذه ليست سوى "حصيلة مؤقتة". وكانت الأمم المتحدة أفادت مساء الإثنين بمقتل نحو 200 شخص.

السفارات
وحضّت السفارات الـ15 كلا الجانبين على "عدم طرد الناس بشكل غير قانوني من منازلهم، وتجنّب (استهداف) البنية التحتية المدنية، والسماح بمرور المواد الغذائية الأساسية والمساعدات الطارئة للجرحى والمرضى".

وأعلن الجيش الأربعاء أنه يقاتل قوات الدعم السريع حول أحد فروع البنك المركزي، مشيراً إلى أنّ "مبالغ خيالية سُرقت".

وجاء ذلك فيما أعلنت نجامينا أنّ حوالى 320 عسكرياً سودانياً فرّوا الأحد من المعارك الدائرة في بلدهم وعبروا الحدود إلى تشاد حيث سلّموا أنفسهم للجيش التشادي.

سار آلاف النساء والأطفال الأربعاء باتجاه المحافظات خارج الخرطوم، متقدمين بين الجثث التي بدأت تنبعث منها روائح قاتلة، بحسب شهود.

وحتى الممثليات الدبلوماسية تحاول تنظيم نقل رعاياها. فهي لم تسلم من الهجمات، إذ تعرضت قافلة دبلوماسية أميركية لإطلاق نار الاثنين وتعرض سفير الاتحاد الأوروبي "لاعتداء في مقر إقامته" بالخرطوم.

وعلى سبيل المثال، بدأت وزارة الدفاع اليابانية "الاستعدادات الضرورية" لعمليات الإجلاء، وإن كان هذا الاحتمال ما زال بعيدًا، فالقتال بدأ من مطار الخرطوم الذي هو خارج الخدمة منذ ذلك الحين.

وقال المتحدث باسم الحكومة هيروكازو ماتسونو الأربعاء، إنّ حوالى 60 يابانياً موجودون في السودان بينهم موظفو السفارة.

من جهة أخرى، نقلت مجلة "در شبيغل" عن مصادر لم تسمّها، أنّ القتال في الخرطوم أجبر الجيش الألماني الأربعاء على إلغاء مهمّة إجلاء نحو 150 ألمانياً من السودان.

ورفضت وزارة الدفاع في برلين التعليق على هذه المعلومات، رداً على سؤال لوكالة فرانس برس.

لكن بحسب "شبيغل"، أقلعت ثلاث طائرات من القوات الجوية من طراز A400M صباح الأربعاء. وبعد توقّف في اليونان، كان مفترضا أن تتّجه الطائرات إلى السودان في منتصف النهار، لكنّ العملية توقّفت.

وبعد أربعة أيام كاملة من القتال، لا يبدو أن الجيش ولا قوات الدعم السريع على وشك تحقيق النصر.

في الخرطوم، تستحيل معرفة أي جهة تسيطر على ماذا في ظل حال إرباك شاملة وانتشار معلومات مضللة على الإنترنت.

مع ذلك، تُظهر صور الأقمار الصناعية حجم الأضرار التي تبدو جلية خصوصا داخل المقر الرئيسي الشديد التحصين لهيئة الأركان المحاط بجدران مرتفعة.

وتُركت عشرات الطائرات المتفحمة بينما بدا مقرّ المخابرات العامة مدمّرا، فيما تحوّل ما كان مستودعا لناقلات البنزين إلى مجرّد بقعة سوداء ضخمة.

يقول كليمان ديشاي، الأستاذ بجامعة باريس الأولى "لا يبدو أنّ أيا من الجانبين يحقّق انتصارا في الوقت الحالي، ونظرا لشدّة القتال ومستوى العنف، قد تزداد الأمور سوءا قبل أن يجلس الجانبان إلى طاولة المفاوضات".

ويضيف ديشاي الخبير في شؤون السودان أنّه لهذا السبب "سيتعيّن على شركائهم الإقليميين ممارسة ضغوط وفي الوقت الحالي لا يبدو أن التصريحات تسير في هذا الاتجاه".

يرى الخبراء أنّ القوى الفاعلة وجيران السودان ومانحيه يحاولون البقاء على تواصل مع الجنرالين المتحاربين، لأنهم لا يريدون استباق الأمور والمستقبل الذي يجهلون مآله.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار