تُحيي، اليوم "الجمهورية الإسلامية في إيران" ووراءها سائر القوى التابعة ل"محور الممانعة"، في كلّ من لبنان والعراق واليمن وسوريا، الذكرى السنويّة الثالثة لاغتيال قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني" قاسم سليماني ونائب قائد "هيئة الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس.
ولا تخرج الكلمات الأساسية التي تُلقى في هذه المناسبة عن الخطوط العريضة التي يضعها مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي الخامنئي، وهي تدور حول فكرة واحدة: إنتصار "المقاومة" على مخططات الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، تضاعف قوة "محور الممانعة"، تجديد التهديدات لواشنطن بالإنتقام، والرد على التهديدات الإسرائيليّة لإيران بشعارات محوها من الوجود.
ولكن، قبل انطلاق أضخم الإحتفالات بهذه الذكرى، بيوم واحد، شنّت إسرائيل هجومًا صاروخيًّا على مطار دمشق الدولي مستهدفة مراكز عسكريّة لكل من "حزب الله" و"الحرس الثوري الإيراني"، فأوقعت عددًا من القتلى وأخرجت المطار من الخدمة لساعات عدّة، بعدما كانت قد أقدمت على الفعل نفسه في حزيران/ يونيو الماضي و"عطلت" المطار نفسه لمدة أسبوعين.
ولا يستطيع الإعلام المحايد الوصول الى المعلومات الدقيقة عن الخسائر التي تلحقها هذه الهجومات الصاروخية التي بلغت في العام 2022 خمسة وعشرين هجومًا، بسبب الطبيعة الشموليّة للنظام السوري، من جهة وانعدام الشفافيّة لدى "حزب الله" وإيران، من جهة ثانية.
ويعتقد كثيرون أنّ الخسائر البشريّة التي تلحق بكلّ من "حزب الله" وإيران في سوريا، نتيجة الغارات الإسرائيليّة، يتم الإعلان عنها، في أوقات لاحقة ومتفرقة، على أساس مغاير، كالموت العرضي والتدريبي، على سبيل المثال لا الحصر.
ولكن ليس هذا المهم، لأنّ الأهم هو هذا التزامن بين شعارات "الجمهورية الإسلامية في إيران" وأذرعها في المنطقة يتقدمها "حزب الله" من جهة، والحريّة التي تتمتّع بها إسرائيل في قصف مراكز "محور الممانعة" في سوريا، من جهة أخرى، وسط تهديدات إسرائيليّة متصاعدة تستهدف مراكز تجميع ومعابر تهريب في كلّ من لبنان وإيران، بعد استعراض قوة وصل الى حدود قصف قافلة إيرانيّة على الحدود العراقية-السوريّة.
وهذا يطرح أسئلة كثيرة عن الموقع الحقيقي ل"محور الممانعة" في المنطقة، فهو إذ يظهر ضعفًا كبيرًا أمام عدوّه المعلن، يتعاطى بعنف كبير مع معارضيه في الداخل، فيقتل ويعتقل ويحارب في ايران والعراق واليمن وسوريا، ويُصفّي مفهوم الدولة في لبنان.
والأدهى أنّ هناك نوعًا من التسليم الإقليمي والدولي، بحق إسرائيل في شنّ هجومات صاروخية وغارات على مراكز تجمّع الميليشيات التابعة لإيران في سوريا، بحيث تتغاضى روسيا التي يفترض بها أن تكون أقرب حلفاء إيران، على هذه الضربات الدمويّة!
والأخطر من كل ذلك أنّ الجماهير المؤيّدة لإيران ول "حزب الله" التي يثيرها "سكتش" تلفزيوني ساخر -جرى بتره من سياقه-بحجة أنّه وجّه إهانات لفظية الى المرأة الشيعية، لا يعنيها مطلقًا أن تُكرّر إسرائيل ألحاق الإهانات العسكريّة بقوتهم المسلّحة التي تلهب مشاعرهم يومًّا، بشعارات القوة والإنتصار والقصاص والمقاومة، فيستنكفون عن طرح الأسئلة عن أسباب صمت قياداتهم على ما يحصل، دوريًا، في إطار ما تسمّيه إسرائيل "الحرب بين الحروب" المستمرة منذ عشر سنوات.
المراقبون يقدّمون تفسيرات كثيرة لهذه الظاهرة، ومن بينها أنّ إيران وحلفاءها وأذرعها لا يتطلّعون الى خوض أي حرب مع إسرائيل، لأنّ هدفهم الأساس يكمن في المحافظة على الأنظمة التي يقودونها، هنا والإمساك بالدول التي ينشطون فيها هناك، كما أنّ الحرب الوحيدة التي تسمح بها إيران، في هذه المرحلة، هي تلك التي يتحضر لها الجميع، أي الدفاع عن إيران نفسها، في حال انحرفت التطورات الى مستوى إلحاق ضربة عسكريّة بها، سواء قادتها إيران أو الولايات المتحدة الأميركية.
وفي مطلق الأحوال، فإنّ "محور الممانعة"، في الوقت الذي يلحق فيه الإسرائيلي الإهانات، يجد نفسه يهلّل لليد الممدودة التي تعتمدها، لأسباب داخلية، تلك الدول التي تعزّز علاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل، كما هي حال النظام السوري مع تركيا، والنظام الإيراني مع الإمارات العربية المتحدة التي تتحضر لتكون أول دولة تستقبل بنيامين نتنياهو، بعد تشكيل حكومته اليمينية المتطرّفة.
وبهذا المعنى، فإنّ "محور الممانعة" في وقت يرفع تماثيل قاسم سليماني، هنا وهناك يوافق على اغتيال المشروع الذي حمله "الملهم والمعلّم والقدوة"، كما يصفونه، على مدى سنوات وسنوات!