القدس: بنيامين نتانياهو الذي شغل منصب رئيس الوزراء لأطول فترة في تاريخ إسرائيل، سياسي مخضرم يقول إن حماية الدولة العبرية من أعدائها "مهمة حياته".
ويقرّ حلفاء وخصوم نتانياهو على السواء على أنه لم يفقد ذرة من نشاطه وسط سعيه الدؤوب للعودة مجددا إلى السلطة.
وفي سن الثالثة والسبعين قد يكون زعيم حزب الليكود قريبا من تحقيق هذه العودة بعد أن أشارت نتائج أولية لخامس انتخابات إسرائيلية تُجرى في أقل من أربع سنوات الى أن تكتل الأحزاب الذي يدعمه في طريقه لتحقيق غالبية برلمانية.
واستخدم نتانياهو في حملته الانتخابية هذه السنة سيارة زجاجية مجهزة أمنيا أطلق عليها اسم "بيبيموبيل" بوحي من سيارة البابا "باباموبيل"، وقد جاب بها أنحاء البلاد.
ورغم أنه يخضع لمحاكمة بتهم تتعلق بالفساد، يرى خبراء سياسيون أن قواعد حزب الليكود الذي يتزعمه ستبقى داعمة له. وهي المرة الأولى التي يخوضها فيها الانتخابات منذ أربع سنوات، وهو على رأس المعارضة، لا السلطة التي أطيح منها في العام 2021 على يد ائتلاف منوّع.
ويرى البعض أن هذه الانتخابات تمثل فرصة "بيبي" الأخيرة في العودة الى المشهد السياسي من باب السلطة.
وقال المتحدث السابق باسمه أفيف بوشنسكي لوكالة فرانس برس إن نتانياهو لن يتنحى طوعا.
وأضاف "مستحيل... سيحاول فعل كل ما في وسعه لتشكيل تحالف مهما كان ذلك جنونيا، وفي رأسه مهمة إلهية أسندت اليه لإنقاذ البلاد".
ولد نتانياهو في 21 تشرين الأول/أكتوبر 1949 في تل أبيب، وورث عن والده المؤرخ عقيدة متشددة، إذ كان الأخير المساعد الشخصي لزئيف جابوتنسكي، زعيم تيار صهيوني يقدّم نفسه على أنه "تصحيحي" ويسعى الى تأسيس "إسرائيل الكبرى".
في العام 1976، كان شقيقه يوناتان الجندي الإسرائيلي الوحيد الذي قتل أثناء مشاركته في عملية عسكرية نفذتها وحدة كان يشرف عليها لتحرير رهائن محتجزين في طائرة خطفتها منظمتان فلسطينية وألمانية في أوغندا.
في مذكراته التي نشرها الشهر الجاري، قال إنه "لن يتعافى أبدا" من مقتل شقيقه.
ويضيف "عندما وصلني خبر وفاة يوني في عنتيبي، شعرت وكأن حياتي قد انتهت".
ونشأ نتانياهو في جزء من حياته في الولايات المتحدة، وتخرّج من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا العريق.
بفضل طلاقته باللغة الانكليزية، ركّزت القنوات التلفزيونية الأميركية عليه أثناء كلامه عن إسرائيل بين أواخر ثمانينات ومطلع تسعينات القرن الماضي، وهو ما ساهم في صعود نجمه كشخصية سياسية على الصعيدين المحلي والدولي.
في الثمانينات، شغل منصبا دبلوماسيا في سفارة بلاده في واشنطن.
وتولّى نتانياهو الذي لطالما شكّك في اتفاقيات أوسلو للسلام، زعامة حزب الليكود العام 1993، وفاز في الانتخابات العام 1996، ليكون أصغر رئيس وزراء لإسرائيل سنا عندما كان يبلغ من العمر 46 عاما.
خسر السلطة سنة 1999، لكنه استعادها بعد عشر سنوات ليبقى على رأسها حتى العام 2021.
وجاء في مذكراته "كجندي، قاتلت للدفاع عن إسرائيل في ساحات القتال، وبصفتي دبلوماسيا صدّيت الهجمات على شرعيتها في المحافل الدولية، وبصفتي وزير مالية سعيت إلى مضاعفة قوتها الاقتصادية والسياسية بين الدول".
وكتب "ساعدت في تأمين مستقبل لشعبي القديم".
المستطونات
ولم ينخرط نتانياهو في محادثات سلام فعلية مع الفلسطينيين خلال فترة حكمه، بينما أشرف على توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة. ساهم في دفن عملية السلام مع الفلسطينيين التي بدأت في 1990، وارتفع عدد المستوطنات في الضفة الغربية خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة خمسين في المئة. فبات عدد المستوطنين 475 ألفا يعيشون وسط 2,8 مليون فلسطيني.
في السياسة الخارجية، ركّز نتانياهو على إيران وبرنامجها النووي والجماعات المتحالفة معها مثل حزب الله اللبناني.
خلال السنة الأخيرة من حكمه، نجح في إبرام أربع اتفاقيات لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية، ونجح أيضا في إخراج البلاد من الإغلاق بعدما أطلق حملة تطعيم طموحة ضد فيروس كورونا.
ورغم تقدمه في السن واتهامات الفساد الموجهة اليه من القضاء وقلة عدد الأصوات التي حصدها في الانتخابات الأربع الماضية، يبقى طموحه الى السلطة على ما هو عليه.
في حزيران/يونيو وبعد ثلاث ساعات من انهيار ائتلاف منافسيه وبدء الحديث عن انتخابات جديدة، وصل نتانياهو إلى مركز للتسوق في القدس وتعهد بالحد من ارتفاع تكاليف المعيشة.
وقبل أيام من انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، خاطب حشدا صغيرا في مغدال هعيمك، معقل الليكود، ودان حينها الحكومة التي شكلها منافسوه ولم تعمّر طويلا، ووصفها بأنها "تجربة خطيرة وكارثية".
يومها قالت راشيل كوهين (25 عاما) التي جاءت للتعبير عن تأييدها له إنها متأكدة "بنسبة مئة في المئة" من فوز نتانياهو لأنه "يهتم بالبلد" على عكس منافسيه".
وأضافت الشابة التي تعمل سكرتيرة، "ليس بالضرورة أن يكون بيبي (الفائز)، لكن يجب أن يكون شخصا صالحا لنا ويهتم بنا وبأمننا".