مثلت الحرب العالمية الثانية فترة مفصلية في حياة الملكة إليزابيث الثانية، مثل سائر المواطنين البريطانيين.
وكانت إليزابيث تبلغ من العمر 13 عاماً عندما اندلعت الحرب. وشهدت سنوات الصراع الستة بداية انخراطها في العمل العام كوريثة للعرش.
وكانت الأسرة الملكية آنذاك - الملك والملكة وابنتاهما إليزابيث ومارغريت - رمزاً راسخاً للقيم التي تدافع عنها بريطانيا وحلفاؤها في الحرب ضد ألمانيا النازية وزعيمها أدولف هتلر.
واستغل الإعلام آنذاك حقيقة أن هتلر لم تكن لديه عائلة أو أسرة.
وبينما كانت بريطانيا تعيش الأهوال بفعل الهجمات الجوية الألمانية، وجهت الأميرة إليزابيث أول خطاب إذاعي لها في أكتوبر/تشرين الأول 1940.
وكان الخطاب موجهاً للأطفال الذين تم إجلاؤهم إلى أمريكا الشمالية، هرباً من القصف الجوي الذي كانت تتعرض له المدن البريطانية.
لكن كان للخطاب هدف آخر، وهو حشد الرأي العام الأمريكي لدعم دخول الولايات المتحدة الحرب إلى جانب الحلفاء.
الأميرة إليزابيث قالت في الخطاب: "نحن الأطفال يغمرنا المرح والشجاعة في هذه الأوقات ... نحاول أن نفعل كل ما في وسعنا لمساعدة البحارة والجنود والطيارين البواسل، كما نحاول تحمل نصيبنا من الخطر والحزن بسبب الحرب".
ومجرد بقاء الأميرتين إليزابيث ومارغريت في البلاد أثناء الحرب كان أمراً يبعث على رفع الروح المعنوية.
قنبلة
ومن بين الآراء التي كانت مطروحة وقتها، ضرورة سفر العائلة الملكية إلى مكان آمن خارج البلاد، إلى كندا تحديداً. لكن الملك والملكة رفضا هذا الاقتراح.
وقالت الملكة إليزابيث الأم إن الأميرتين "لن تغادرا بدوني. وأنا لن أغادر بدون والدهما. والملك لن يغادر البلاد تحت أي ظرف".
وكان أبعد مكان انتقلت إليه الأميرتان هو قلعة ويندسور، وقالتا عنها: "ذهبنا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، فمكثنا هناك خمس سنوات".
وكانت الأميرتان على مسافة قريبة بما يكفي لتشاهدا سماء لندن المشتعلة بفعل القصف الجوي الشديد. حتى أن واحدة من هذه القنابل سقطت بالقرب من القلعة التي كانتا تقيمان فيها. وقالت الأميرة مارغريت عن تلك الواقعة: "أصابنا جميعاً الشحوب".
وانضم الملك والملكة إلى الأميرتين في معظم الأمسيات وفي عطلات نهاية الأسبوع. كذلك استمرت دروسهما مع المعلمين الخصوصيين.
وفي عيد الميلاد، كانت الفتاتان تحاولان إدخال المرح إلى قلب والدهما بأداء عروض التمثيل الإيمائي، بعد أن أصابه الاكتئاب جراء الخسائر البشرية الكبيرة التي منيت بها بريطانيا.
غضب
وتباينت العروض التي أدتهما الأميرتان، إذ قدمتا سندريلا مرة، وعلاء الدين مرة أخرى، لكن الثابت كان لعبهما أدوار البطولة.
وفي عام 1942 قامت الأميرة إليزابيث بأول واجباتها العامة، إذ تفقدت عرضا لقوات الحرس الملكي، التي أصبحت عقيداً شرفياً فيها.
ونما لدى الأميرة الشابة الإحساس بالواجب تجاه البلاد، الذي طغى على فترة حكمها، خلال تلك السنوات العصيبة.
وفي عام 1944، كتبت الأميرتان (إليزابيث 18 عاما، ومارغريت 14 عاما) مسرحية إيمائية بعنوان "أحذية الفروسية الحمراء الصغيرة"، بمساعدة الملكة، بينما كان الملك يمر بفترة حزن بسبب الهزيمة التي منيت بها بريطانيا في معركة أرنم.
وشارك ثلاثة من حراس القلعة في أدوار مساعدة. ويروي أحدهم، ويُدعى بيل دافيس، أن مقاساته أُخذت وشارك في العرض وهو يرتدي ثياب الحرس. ووصف دافيس العرض بأنه "كان رائعاً، وكانت الأسرة في غاية السعادة. كانت لحظة حالمة، نسينا فيها الحرب لساعة أو اثنتين".
سعادة وراحة
وفي السنة الأخيرة من الحرب، ظهرت إليزابيث بالزي العسكري، إذ انضمت إلى قوات المشاة الاحتياطية.
وحملت الأميرة الرقم العسكري 230873 ورتبة ملازم أول. وانضمت إلى مجموعة منتقاة من الجنود لمدة ثلاثة أسابيع، تعلمت خلالها المبادىء الأساسية لميكانيك السيارات وقيادة الشاحنات.
وقيل إنها كانت المرة الأولى التي تشارك فيها أميرة من الأسرة الملكية في تدريب مع "أناس آخرين".
كما شهدت سنوات الحرب الأخيرة قصة حبها لنقيب البحرية الملكية فيليب ماونتباتن، الذي أصبح فيما بعد دوق أدنبره، وزوج الملكة، وأحد أكبر المؤثرين في فترة حكمها.
وفي مايو/أيار عام 1945، اجتمع عشرات الآلاف أمام قصر باكنغهام بلندن للاحتفال بالنصر بنهاية الحرب.
وانضم رئيس الوزراء آنذاك، وينستون تشرشل، للأسرة المالكة في شرفة القصر. ثم تسللت الأميرتان إلى الشارع للاحتفال مع الجموع.
وتذكرت الملكة تلك اللحظات بعد أربعين عاماً، وقالت: "أتذكر صفوفاً من الناس المجهولين يحملون السلاح ويسيرون في منطقة وايت هول. كانت تجرفنا جميعاً موجة من السعادة والبهجة".
وتابعت: "بعد عبورنا منطقة غرين بارك، وقفنا في الخارج وصرخنا "نريد الملك". أعتقد أنها من أكثر الليالي رسوخاً في ذاكرتي طوال حياتي".