يبدو أن «الانسداد السياسي» الذي يعيشه العراق منذ ثمانية أشهر جراء الانتخابات العامة في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي قد آن له أن ينفجر مثل كل انسداد لا يجد أمامه فرصة للحل والتنفيس. عجز البرلمان ثلاث مرات عن انتخاب رئيس للجمهورية بسبب قرار يفرض حتمية أن يكون نصاب جلسة انتخاب الرئيس بثلثي الأعضاء. وبسبب توزيع الأعضاء بين الكتل المتنافسة داخل البرلمان لم يستطع أي منها توفير العدد اللازم أي 210 نواب من إجمالي عدد النواب ال 329. وفشل البرلمان في تشكيل حكومة جديدة بسبب الانقسام الذي وصل إلى الصراع بين مكونات البيت الشيعي وبالتحديد بين التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الذي انخرط في تحالف «إنقاذ وطن» مع كتلتين إحداهما سنية (تحالف السيادة بزعامة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان وشريكه خميس الخنجر) والأخرى كردية (الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني) وبين «الإطار التنسيقي» الذي يضم المكونات الشيعية الأخرى، «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«الفتح» بزعامة هادى العامري، و«عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، و«الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، و«النصر» بزعامة حيدر العبادي، و«عطاء» بزعامة فالح الفياض المتحالفين مع الاتحاد الوطني الكردستاني.
لم يستطع تحالف «إنقاذ وطن»، بقيادة الصدر وله 153 نائباً تشكيل «حكومة الأغلبية الوطنية» المتحررة من المحاصصة الطائفية، بسبب فشله في استمالة كتلة المستقلين البالغ عددها 40 نائباً.
كما لم يستطع «الإطار التنسيقي» انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة التي يريدها «ائتلافية موسعة»، تعبر عن «البيت الشيعي».
هكذا فرض «الانسداد السياسي» نفسه وعجز البرلمان عن أن يكون وعاء للإرادة الشعبية، خصوصاً بعد أن تفاقم الانسداد، من هنا جاء القرار الصعب الذي يمكن وصفه ب «الصدمة» وهو قرار الصدر الانسحاب من البرلمان وتقديم نوابه ال 73 استقالتهم إلى رئيس البرلمان يوم الأحد الماضي الذي قبلها «مضطراً».
قبل اتخاذ قرار الانسحاب كان الصدر قد لوّح بأنه «في حال لم يتمكن من تشكيل حكومة أغلبية وطنية فإنه سيطلب من نواب كتلته في مجلس النواب تقديم استقالاتهم، وهذا ما حصل. وبهذا فإنه سحب «الحاكمية» أي ولاية الحكم من البرلمان إلى «الشارع السياسي» الذي يبدو أن مقتدى الصدر يخطط للاحتكام إليه، الأمر الذي يفاقم من مخاطر السقوط العراقي في هاوية الاضطراب والفوضى وعدم الاستقرار، في ظل عجز حلفاء الصدر عن فعل شيء، وفي ظل عجز غرمائه عن إكمال المهمة.
هناك محاولات حثيثة لتفادى هذا الخيار الأليم؛ أولهما المراهنة على أن العطلة البرلمانية التي بدأت يوم التاسع من يونيو/حزيران الجاري وتمتد لشهرين يمكن أن تكون كافية لإقناع الصدر بالعدول عن قرار الانسحاب انطلاقاً من المراهنة على أن قبول رئيس مجلس النواب استقالات النواب الصدريين ليست نهائية لأنها مشروطة بموافقة المجلس. وهذا يمكن تحقيقه بعد انتهاء العطلة البرلمانية إذا تم التوصل إلى توافقات تقنع الصدر بالعدول عن قرار الانسحاب.
الخيار الثاني هو تصعيد نواب بدلاء من النواب المستقيلين، بأن يحل المرشح الذي يلي النائب المستقيل في عدد الأصوات الموقع النيابي. هذا الخيار من شأنه أن يفرض تغيرات مثيرة في «الخريطة السياسية» وفي المشهد السياسي لصالح «الإطار التنسيقي» الذي يمكن أن يتحول إلى امتلاك الكتلة الأكبر ومن ثم التحكم في قرار انتخاب رئيس الجمهورية الجديد وتشكيل الحكومة الجديدة على النحو الذي يرفضه تماماً مقتدى الصدر، ومن ثم لا يدع أمام الأخير بديلاً غير اللجوء إلى الشارع لإسقاط مثل هذه المعادلة الجديدة.
أما الخيار الثالث فهو اللجوء إلى انتخابات جديدة مبكرة على أمل وضع نهاية لحالة «الانسداد السياسي» الراهنة. مثل هذا الخيار يتخوف منه الجميع، لأنه لا يوجد أحد في مقدوره أن يتحكم بنتائجه، في ظل لجوء الصدر للاحتكام إلى الشارع العراقي الرافض في أغلبه للعملية السياسية الراهنة برمتها، والذي سبق له الانتفاض مطالباً بإسقاط الطبقة الحاكمة ومعها معادلة المحاصصة السياسية الفاسدة.
خيارات ثلاثة معقدة تكشف مدى خطورة التطورات في العراق بعد أن أصبح الشارع السياسي المأزوم هو صاحب الكلمة العليا في حسم الخيارات.