الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لا يدارى حنينه إلى دولتين، إحداهما روسيا القيصرية التى سمع عنها فى مرحلة ما قبل ثورة ١٩١٧ التى أقامت الاتحاد السوفيتى، والثانية روسيا السوفيتية التى عاشها فى مرحلة ما بعد هذا التاريخ!
أما الدولة الأولى فكانت حافلة بالأسماء الأدبية الكبيرة التى ملأت الدنيا أدبًا وإبداعًا، من أول تولستوى إلى دوستويفسكى، إلى بوشكين، إلى تورجينيف، إلى جوجول.. وكثيرين غيرهم ممن كان معرض القاهرة الدولى للكتاب يعرض أعمالهم الكاملة أيام الاتحاد السوفيتى فى مجلدات فاخرة الطباعة بقروش قليلة!
ولو أن الرئيس الروسى قرأ قصة شهيرة لواحد من هؤلاء الأدباء الكبار الذين أنجبتهم روسيا القيصرية فى مرحلة ما قبل ١٩١٧، فسوف يجد فيها ما يفيده بالتأكيد فى حربه على أوكرانيا!
القصة تقول إن واحدًا من الإقطاعيين فى تلك الأيام قرر أن يوزع أرضه على عدد من الفرسان، ولكنه جاء بهم جميعًا قبل أن يوزعها عليهم، وطلب من كل فارس فيهم طلبًا واحدًا.. وكان هذا الطلب هو أن ينطلق كل فارس منهم فوق حصانه فى داخل مساحات الأرض الواسعة، وكان هناك شرط هو أن يعود قبل غروب الشمس، فإذا عاد قبل غروبها فإن له أن يحصل على كل مساحة الأرض التى انطلق فيها وعاد منها!
وانطلقوا جميعًا.. ولم يكن أحد منهم منشغلًا بالشمس وغروبها، ولكنهم كانوا منشغلين بقطع أكبر مساحة ممكنة، وكان كل فارس يعرف أنه كلما توغل فى عمق الأرض أكثر، حصل على مساحة أوسع حين يعود إلى نقطة الانطلاق!
وقد نسوا فى غمرة الانشغال بتكبير المساحة التى سيحصل كل واحد فيهم عليها أن حصولهم على أى شىء، سواء كان هذا الشىء فدانًا أو ألف فدان، مرهون بالعودة قبل الغروب.. وإلا.. فلا شىء سيكون فى انتظارهم مما قطعوه من المساحات!
وكانت المفارقة أن أحدًا منهم لم يرجع قبل الغروب، فلقد كان كل واحد يُلهب ظهر حصانه على أمل قطع أكبر مساحة يستطيع الجرى فى أنحائها، ناسيًا أن العبرة هى العودة لا الذهاب.. وعندما عادوا كانت الشمس قد غربت، وكان التقدير قد خانهم، وكان الدرس أن دخول الحرب ليس هو الموضوع، ولكن الموضوع هو الخروج من الحرب، وهو وقفها، وهو القدرة على وضع نهاية لها!.