بعد عقود من التطوير المستمر، تستخدم طهران حالياً الطائرات المسيّرة لتكملة نظام صواريخها ودعم الجهود الأوسع نطاقاً لإدخال الشرق الأوسط بأكمله في نطاقها.
إيلاف من بيروت: في 14 فبراير، هزّت انفجارات غامضة وقعت في غرب إيران مطاراً عسكرياً يأوي مركباتٍ جوية غير مأهولة. ولاحقاً، زادت صورٌ فضائية عالية الدقة من مصداقية الشكوك الأولية التي اعتبرت أن ضربةً حركيةً - ربما نفّذتها طائرات متفجرة حائمة بدون طيار - كانت مسؤولة عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بحظيرة كبيرة للطائرات. وفي الواقع، كان هذا الضرر مشابهاً جداً لانفجارٍ حدث في يونيو 2021 في معمل "تسا" (TESA) لتصنيع أجزاء أجهزة الطرد المركزي بالقرب من طهران وانفجار يوليو 2020 الذي دمر مصنع تجميع أجهزة الطرد المركزي في نطنز في محافظة أصفهان. وعلى الرغم من أن إيران اتهمت إسرائيل بتدبير الحوادث السابقة باستخدام طائرات مسيّرة انتحارية أو وسائل أخرى، إلا أنها لم تُلقي اللوم بعد على الجهة المسؤولة عن الانفجارات الأخيرة. وبغض النظر عمن كان المسؤول عن ذلك، يبدو أن جهات فاعلة أخرى في الشرق الأوسط تستمد الوحي من قواعد لعبة طهران التي ركّزت في السنوات الأخيرة على تسليح الطائرات بدون طيار لزيادة قدرات النظام الأخرى وتعزيز قواته الوكيلة.
يقول فرزين نديمي هو زميل مشارك في معهد واشنطن، ومتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج، في مقالة نشرها المركز الإلكتروني للموقع: "احتلّ مشروع الطائرات المسيّرة مكانةً بارزةً ضمن مجموعة التهديدات الإيرانية في المنطقة، حتى أنه يتماشى مع برامج إيران المقلقة المتعلقة بالصواريخ الباليستية والدقيقة. وأثار الاستخدام العدواني المتزايد إلى حد كبير للطائرات بدون طيار من قبل طهران ووكلائها قلق القيادة المركزية الأميركية والمسؤولين العسكريين في المنطقة، ما حثّهم على إيجاد تدابير مضادة نشطة وسلبية تشمل المعادِلات غير المأهولة (على سبيل المثال، أسراب الطائرات المسيّرة من طراز ’هنتر 2-أس‘ من إنتاج مجموعة إيدج الإماراتية). مع ذلك، من غير المرجح أن يتم ردع إيران، ولا ينبغي توقع تغيير سلوكها في المنطقة إذا أعادت إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع الولايات المتحدة".
ولادة برنامج الطائرات بدون طيار
يضيف نديمي: "على الرغم من الطفرة الأخيرة في التطورات التقنية والتقارير الإخبارية حول هذا الموضوع، كانت لعبة الطائرات المسيّرة الإيرانية في طور التكوين منذ فترة طويلة - منذ حرب الاستنزاف في الثمانينيات مع العراق. ففي خضم ذلك النزاع، بدأ الحرس الثوري الإسلامي الإيراني برنامجاً للتجربة والخطأ بدءأً من نقطة الانطلاق لتطوير طائرات استطلاع بدون طيار، وشملت أهدافه إثارة الزخم الهجومي وسط الجمود المرهق، وأيضاً لأن العديد من الدول قد وضعت قيوداً على الصادرات ذات الاستخدام المزدوج إلى إيران، مما أثّر على قدرتها على الحصول على المعدّات والأجزاء اللازمة في الخارج.
في ذلك الوقت، بالكاد كان النظام يتمتع بقدرته الخاصة في مجال المركبات الجوية غير المأهولة، باستثناء عدد قليل من الطائرات الهدف بدون طيار الأميركية الصنع".
وإضافة إلى الدور الاستطلاعي العام، عمدت إيران إلى التسليح السريع للنماذج الأولى التي أنتجتها عبر تركيب قاذفات صواريخ بسيطة تحت أجنحتها لاستخدامها ضد الأهداف البرية والبحرية. وعلى الرغم من أن أداء هذه المركبات الجوية غير المأهولة ذات القاذفات الصاروخية لم يكن واعداً في التجارب الهادفة إلى تحديد إمكانية النشر التشغيلي أثناء الحرب، إلا أن فكرة استخدام الطائرات المسيّرة كذخائر حائمة اكتسبت زخماً، واستمر المزيد من التطوير في الخفاء.
تطورات ما بعد الحرب
في أعقاب الحرب مع العراق، سعت طهران إلى تعزيز قدرات المراقبة والاستطلاع التي تتمتع بها طائراتها بدون طيار، لكن مداها كان يقتصر في البداية على خط الرؤية. ولتجاوز هذه العقبات التقنية، جمعَ النظام "شركة القدس لصناعة الطيران" التي تصنع طائرات مسيّرة والتابعة لـ «الحرس الثوري» الإيراني مع شركة جديدة هي "شركة إيران لتصنيع الطائرات" (HESA) تحت إشراف وزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة، والتي تم تشكيلها بعد دمج وزارة الدفاع ووزارة «الحرس الثوري» في عام 1989. (كان مقر "شركة القدس لصناعة الطيران" في الضاحية الغربية لطهران ولا يزال كذلك حتى اليوم، بينما تقع "شركة إيران لتصنيع الطائرات" في شاهين شهر). ومع ذلك، واصلت "القوة الجوية" التابعة لـ «الحرس الثوري» (التي أعيدت تسميتها فيما بعد باسم "القوة الجوفضائية") إدارة برنامجها الخاص الشامل المتعلق بالبحث والتطوير في مجال الطائرات بدون طيار ضمن "شركة شاهد لصناعة الطيران"، والتي تقع في "قاعدة بدر الجوية" جنوب أصفهان - وهي منشأة تشترك في مدرج مع "قاعدة شهيد وطن بور الجوية" التابعة للجيش.
يقول نديمي: "تقدَّمَ برنامج الطائرات المسيّرة بسرعة نسبياً في السنوات اللاحقة، ويرجع ذلك جزئياً إلى طبيعته القوية القائمة على البحث والدعم الأكاديمي المستمر من المدارس الصناعية مثل "جامعة شريف للتكنولوجيا" (تخضع للعقوبات الأمريكية منذ عام 2019 لمشاركتها في البرامج النووية والصاروخية للنظام الإيراني). وتلقّى «الحرس الثوري» الإيراني أيضاً قدراً كبيراً من المساعدة الخارجية غير المباشرة عن طريق الصدفة، عندما استعاد العديد من المركبات الجوية الغربية غير المأهولة وعالية التقنية التي تحطمت في إيران. بالإضافة إلى ذلك، فإن استعادة أجزاء الطائرات بدون طيار التي تستخدمها القوات الحوثية المدعومة من إيران في اليمن تشير إلى وجود شبكة واسعة من المزودين تسهّل طهران عملها، بما في ذلك الصين واليابان ودول أوروبية. وعلى الصعيد المحلي، شهدت السنوات الأخيرة قيام شركات ناشئة إيرانية عالية التقنية ذات علاقات وثيقة مع «الحرس الثوري» الإيراني والصناعات الحربية بتطوير طائرات مسيّرة بأشكال مختلفة، بما فيها مركبات جوية غير مأهولة عالية الارتفاع وقادرة على التحمل تعمل بالطاقة الشمسية، وهي مثالية لتأمين الترحيل المستمر للاتصالات مع الوكلاء في الخارج".
مرصاد
ومنحت طهران أيضاً بعض قواتها الوكيلة إمكانية الحصول المباشر على قدرات الطائرات المسيّرة. وبطبيعة الحال، كان «حزب الله» هو المرشح الأول لمثل هذه المساعدة - فمنذ نوفمبر 2004، ظهرت تقارير عن استخدام الميليشيا اللبنانية لما يُدعى المركبات الجوية غير المأهولة "مرصاد-1" فوق شمال إسرائيل.
وكانت طائرة "مرصاد" مماثلة لطائرة "أبابيل-2"، وهي طائرة إيرانية بدون طيار تم تطويرها من قبل "شركة إيران لتصنيع الطائرات" (HESA) في بداية التسعينيات بنماذج من المواد المركّبة ومن الألومنيوم.
وكانت فوائد الطائرات المسيّرة للجماعات الإرهابية والجهات الفاعلة الأخرى غير الحكومية معروفة جيداً بالفعل، لكن ظهور طائرة "مرصاد" فوق إسرائيل كان بمثابة جرس إنذار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث أدركت الحكومات مساراً جديداً للتهديد يمكن أن يقوض سيطرتها التقليدية على المجال الجوي. وبالإضافة إلى تطوير طائرات بدون طيار متخصصة سهلة الاستخدام لوكلاء مختلفين، زودت إيران لاحقاً مشتقاً أصغر من "أبابيل 2" - يسمى "قاصف" - للحوثيين، الذين استخدموه على نطاق واسع ضد المملكة العربية السعودية وقوات الحكومة اليمنية في السنوات الأخيرة.
طائرات إنتحارية
في "شركة شاهد لصناعة الطيران"، يُنتج «الحرس الثوري» الإيراني طائرات انتحارية بدون طيار بالإضافة إلى مجموعات "شاهد -141 إلى -191" من طائرات الأجنحة المحلّقة المسيّرة، المصممة على غرار المركبة الجوية الأميركية غير المأهولة "آر كيو-170 سنتينال" التي تحطمت على الأراضي الإيرانية أثناء هبوطها في ديسمبر 2011. وتُنتج هذه الشركة أيضاً طائرة الهجوم الدقيق الحائمة بدون طيار "شاهد-136" التي أصبحت مدعاةً للفخر.
وخلال المناورات العسكرية الأخيرة، تم إطلاق هذه المنظومة من شاحنة تفريغ معدَّلة خصيصاً حملت خمساً منها في الوقت نفسه. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، استُخدمت طائرة "شاهد-136" وشقيقتها الصغرى "شاهد-131" في عمليات عدائية ضد المملكة العربية السعودية، وسفن الشحن المرتبطة بإسرائيل، والقواعد الأمريكية في العراق. ويشغّل الحوثيون طائرة "شاهد-136" البعيدة المدى تحت اسم "وعيد" ويبدو أيضاً أن سلسلة "صماد" من الذخائر الحائمة البعيدة المدى التي يستخدمونها، لها أصول إيرانية، وفقًا لنديمي.
وتستطيع اليوم الطائرات الإيرانية بدون طيار الوصول إلى أي مكان تقريباً في الشرق الأوسط عن طريق حمل المزيد من الوقود واستخدام الملاحة عبر الأقمار الصناعية. وحقق النظام هذه القدرة من خلال تزويد الطائرات المسيّرة بأجهزة توجيه الملاحة (الملاحة الجيروسكوبية) التي طورتها "جامعة شريف"، والتي تُمَكِّن من استمرار التحليق لمدة تصل إلى خمس ساعات. وفي وقت لاحق، طورت عمليات ترحيل لاسلكية بعيدة المدى للتواصل ما بعد خط الرؤية مع الطائرات بدون طيار التي تقع على مسافة تصل إلى 200 كيلومتر.
كما يبدو أن نوعين على الأقل من الطائرات المسيّرة - هما "شاهد-149" و"فطرس" - مجهزان بهوائيات أقمار صناعية، مما تمنحهما قطراً تشغيلياً يبلغ 500 كيلومتر أو أكثر. ويقال إن الجيل الأحدث من الطائرات الإيرانية بدون طيار يصل مداها إلى 1000 كيلومتر وفترة تحليق تصل إلى 24 ساعة.
لقد اجتاز برنامج الطائرات المسيّرة العديد من مراحل التسليح أيضاً. وفي الوقت الحالي، يمكن أن تحمل غالبية الطائرات الإيرانية بدون طيار قنابل موجهة مصغرة، لكنها ستصبح مسلحة قريباً بصواريخ قادرة على الوصول إلى أهداف تصل إلى 8 كيلومترات.
الخاتمة
يختم نديمي: "في عدة مناسبات خلال العام الماضي، أدلى قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكنزي، بتصريحات علنية صريحة بشكل مفاجئ حول ضعف الحلفاء أمام تهديد طهران للطائرات المسيّرة متعددة الاتجاهات. وفي شهادته في أبريل 2021 أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي، أشار إلى أن الطائرات المسلحة بدون طيار الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تنشرها إيران ووكلائها "تشكل تهديداً جديداً ومعقداً لقواتنا وقوات شركائنا وحلفائنا. ولأول مرة منذ الحرب الكورية، نعمل بدون تفوق جوي كامل. وإلى أن نتمكن من تطوير وإيجاد قدرة شبكية لاكتشاف [المركبات الجوية غير المأهولة] وإلحاق الهزيمة بها، ستظل الميزة مع المهاجم".
وبحسبه، تراقب الولايات المتحدة البرنامج الإيراني للطائرات المسيّرة منذ عام 2002 على الأقل وتحتاج إلى الحفاظ على هذا اليقظة. وسيستمر النظام الإيراني في تطوير وتوسيع وانتشار تقنيات الطائرات من دون طيار المسلحة الخاصة به - ليس فقط لوكلائه في الشرق الأوسط، ولكن أيضاً إلى البلدان في الخارج التي أبدت استعداداً لشرائها، وآخرها إثيوبيا وفنزويلا. وحتى إذا اتفقت واشنطن وطهران على العودة المتبادلة إلى التزاماتهما بموجب الاتفاق النووي، ينبغي للسلطات الأميركية أن تواصل فرض عقوبات صارمة على أي كيانات وأفراد إيرانيين متورطين في برنامج الطائرات المسيّرة. وسيكون هذا الموقف ضرورياً طالما يرفض النظام الإيراني التخلي عن أفعاله العدائية المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط.