إيلاف من لندن: كشف القضاء العراقي الخميس عن وجود موظفين يُطلق عليهم تسمية "انتحاريي الفساد" يقومون بتنفيذ كل ما يطلب منهم من اجل حماية المسؤول ويتحملون التبعات القانونية لفساده منوها الى عدم وجود تعاون دولي مع العراق لتسليم المطلوبين العراقيين بقضايا فساد بذريعة حملهم لجنسيات اجنبية.
واكد قاض متخصص بمكافحة الفساد المالي والإداري أن كوادر متقدمة في الوزارات العراقية تعمل على لملمة أي قضية تطولها شبهات فساد واصفا اياهم بـ"الانتحاريين" لتغطيتهم على فساد مسؤوليهم .
وفي ندوة لمعهد التطوير القضائي عن "دور القضاء في مواجهة الفساد المالي والإداري" بمشاركة اعلاميين وقضاة ومتخصصين وممثلين عن منظمات المجتمع المدني كشفت تفاصيلها صحيفة "القضاء" وتابعتها "ايلاف" قال قاضي أول محكمة تحقيق الكرخ الثانية في بغداد ضياء جعفر أن مجلس القضاء الأعلى وضع استراتيجية لمكافحة الفساد ضمت أربعة محاور أولها منع وقوع الفساد والوقاية منه والثاني كيفية إنفاذ القانون والملاحقة القضائية والمحور الثالث رفع المستوى التثقيفي والمشاركة القضائية والمحور الأخير كان التعاون الدولي .
وشدد القاضي على انه لتنفيذ هذه الاستراتيجية يجب الاهتمام بالتنسيق بين جميع الجهات الخاضعة لقانون مكافحة الفساد وفي مقدمتها مجلس القضاء الأعلى ورئاسة الوزراء ومجلس النواب ورئاسة الجمهورية والهيئات الرقابية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع العام .
محاكمة كبار المسؤولين الفاسدين
وحول التساؤلات المطروحة عن اسباب عدم محاكمة كبار المسؤولين أوضح القاضي أن "القضاة يتعاملون مع الدليل وطالما تواجد الدليل يتم محاسبة المتهم مهما كان موقعه وفقا للقانون لكن نلاحظ في الاونة الأخيرة وجود موظفين نطلق عليهم لقب (الانتحاريين) لأنهم مستعدون لتنفيذ كل ما يطلب منهم من اجل حماية المسؤول ويتحملون المسؤولية كاملة ونحن كقضاء يجب ان نتخذ الإجراءات القانونية بحق الموظف المقصر اذا توفرت الأدلة ضده".
ولفت الى انه "بالفعل هناك فساد في الكوادر المتقدمة من المسؤولين في مختلف الوزارات لكننا محكومون بالأدلة والأوراق المستندات والقرائن المعروضة أمامنا والتي على ضوئها نصدر الأحكام".
واوضح القاضي أن "التحقيقات الخاصة بالفساد المالي والإداري تأخذ وقتا طويلا جدا سواء بهيئة النزاهة او ديوان الرقابة المالية وحتى مكاتب المفتشين العموميين الملغاة كانت هي الأخرى تحت سلطة الوزير وهو من يتحكم بها ويؤثر على سير التحقيق في بعض الحالات".
الوقاية من الفساد
وبشأن منع وقوع الفساد والوقاية منه ذكر القاضي جعفر أن "مجلس القضاء الأعلى عمل خلال الفترات الماضية وبقوة بالتنسيق مع عدد من الجهات الرقابية إضافة الى انه فتح الباب أمام المواطنين لتلقي الاخبارات و قدمت له في وقت سابق عدد من القضايا المهمة التي من خلالها تمكن من استرداد مبالغ مالية ضخمة بناء على تحقيقات أجريت من قبل محاكم التحقيق المختصة في انحاء البلاد وخصوصا محاكم التحقيق في استئنافي الكرخ والرصافة".
وحول كيفية إنفاذ القانون والملاحقة القضائية للفاسدين اشار القاضي الى ان "المحاكم العراقية تجري التحقيقات بعدد كبير من القضايا التحقيقية المهمة المتمثلة بسرقة أموال الدولة والرشوة والاختلاس وتجاوز الموظفين حدود وظائفهم وخلال الفترات الماضية وجه مجلس القضاء الأعلى بتفعيل قضايا الكسب غير مشروع وبدأ العمل على التحقيق بعدد منها والتي عرضت أمام المحاكم وأحيل قسم من المتهمين فيها الى المحاكم المختصة وأجريت المحاكمات وخلال الفترات القادمة ننتظر من الجهات التحقيقية والرقابية عرض مزيد من القضايا بغية حسمها".
معوقات داخلية وعدم تعاون دولي
واكد القاضي وجود معوقات تؤثرعلى التحقيقات التي تجريها المحاكم في قضايا الفساد الإداري والمالي أبرزها عدم تعاون الوزارات والجهات الحكومية لتزويد المحاكم بالأوليات او الأدلة اللازمة والكافية لإدانة مرتكبي جرائم الفساد الإداري والمالي اضافة الى وجود عدد من الكوادر المتقدمة في الوزارات تحاول لملمة القضايا وتضليل القضاء من خلال إجاباتها للمحاكم بعدم وجود أضرار لحقت بالوزارة نتيجة جرائم الفساد المرتكبة من قبل موظفيها لغرض طمس معالم الجرائم .
وفيما يخص التعاون الدولي مع العراق لمكافة الفساد اشار القاضي الى ان هذا التعاون لا يزال دون المستوى المطلوب من قبل معظم الدول التي يتواجد فيها عراقيون من سراق المال العام . واكد على الحاجة الى متابعة حركة رؤوس الأموال في الخارج لان المتهمين الذين سرقوا المال يتنعمون بها حاليا بسبب تلكؤ المجتمع الدولي في مساعدة العراق في هذا المجال وفي استرداد المتهمين .
من جانبه اشار القاضي حيدر نوري الى ان بعض المتهمين لديهم جنسيات أجنبية اذ انه منذ عام 2003 ولغاية الان لم يتم تسليم سوى 3 متهمين بجرائم غسيل الأموال بالرغم من المطالبات للعديد من الدول بتسليم المطلوبين المتواجدين على أراضيها لكن من دون فائدة.
يشار الى ان منظمة الشفافية العالمية كانت قد كشفت مطلع العام الحالي عن احتلال العراق للمرتبة 160 من بين دول العالم الـ 180 الاكثر فسادا في عام 2020 وواحدا من بين 6 دول عربية في هذا المجال.
وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قد اعلن في 30 أغسطس 2020 عن تشكيل لجنة عليا تختص بالتحقيق في قضايا الفساد الكبرى والجرائم الاستثنائية .
وتشهد مدن العراق بين الحين والاخر منذ اواخر عام 2019 موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية للمطالبة بمحاربة الفساد وتوفير الخدمات وفرص العمل أوقعت المئات من القتلى من المتظاهرين اضافة الى آلاف الجرحى بينهم عناصر من قوات الأمن خلال مواجهات دامية.