إيلاف من أصيلة: واصلت ندوة "النخب العربية في المهجر:التحدي القائم والدور الممكن"، الجمعة، ضمن فعاليات منتدى أصيلة الـ45، تسليط الضوء على مختلف الجوانب المرتبطة بظاهرة الهجرة، من زاوية مستقبل الحضور العربي في بلدان المهجر، وانعكاسات هذا الحضور على القضايا العربية الكبرى.
وفيما تحدث مشاركون عن بداية ممارسة العرب، في الولايات المتحدة وعدد من بلدان أميركا اللاتينية، لدور في الحياة العامة يكون بإمكانه خدمة القضايا العربية الكبرى، رسم آخرون صورة قاتمة لأوضاع المهاجرين في عدد من بلدان أوروبا، التي تريد اليوم أن تتخلص من هؤلاء المهاجرين، مشددين على أنه يبقى من الأفضل أن تطور البلدان العربية نفسها، بحيث لا تصبح جهة طاردة أو مصدرة لأبنائها.
من اليد إلى الدماغ
استعرض التونسي نجيب فريجي، مدير المعهد الدولي للسلام بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي يوجد مقره في العاصمة البحرينية المنامة، في مفتتح تسييره للجلسة الأولى، محطات من تاريخ الهجرة العربية، على مدى القرون الثلاثة الماضية، مشيرا إلى "أننا نشهد اليوم، بعد موجات هجرة اليد العاملة في الماضي، هجرة الكفاءات والأدمغة"، مختصرا تطور الهجرة العربية، بقوله إنها مرت "من اليد إلى الدماغ".
الكاتب المصري محمد سلماوي يتحدث خلال فترة المناقشة
الهجرة في الزمن الرقمي
استعرض الكاتب الصحفي اللبناني جورج سمعان، سردا تاريخيا للهجرات العربية، التي قسمها إلى ثلاثة مراحل، أولاها بدأت من الشام، أواخر القرن التاسع عشر، نحو الأميركيتين الشمالية والجنوبية، فيما انطلقت المرحلة الثانية خلال أربعينيات القرن الماضي، إما بحثا عن الحرية والعمل والتعليم أو هربا من الأنظمة المتسلطة التي قامت بعد الاستقلال. أما المرحلة الثالثة فبدأت بعد أحداث 11 سبتمبر، وتواصلت مع ما سمي بالربيع العربي، في 2011، وما تمخضت عنه من تداعيات.
وشدد سمعان على أن كل هجرة من الهجرات الثلاث لها خصائص ومميزات؛ قبل أن يتوسع في إبراز خصوصيات المرحلة الأخيرة، التي تزامنت مع التطور التكنولوجي الذي جعل المهاجر لا يشعر بأنه قد ترك بلاده، بفعل هذا الكم من الفضائيات، ومن مواقع التواصل الاجتماعي ومن الهواتف الذكية التي جعلت البلاد العربية تلازم المهاجر العربي على مدار اليوم.
محمد بن عيسى يتحدث خلال فترة المناقشة
معركة حادة
انطلق حسن عبد الرحمن، سفير فلسطين في الرباط سابقا وممثل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن سابقا، من تجربته الشخصية ومشاهداته في الولايات المتحدة ، مشيرا إلى أن والده مهاجر سابق، ونصف سكان قريته في رام الله يعيش في المهجر.
وقال عبد الرحمن إن الهجرة كانت تهدف إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين، لذلك لم يكن للجيل الأول تأثير على البلدان المستقبلة، فيما كانت هناك نجاحات فردية مع أبناء الجيل الثاني ممن انخرطوا في الحياة العامة، لم تترجم إلى نجاحات جماعية باتجاه أن يكون لهم تأثير على سياسات هذه الدول.
وأشار عبد الرحمن إلى أن المهاجرين العرب في أميركا اللاتينية صار لهم دور في الحياة العامة، ويساهمون في صنع سياسات هذه الدول ورسم مواقفها اتجاه القضية الفلسطينية.
وتطرق عبد الرحمن إلى وضعية المهاجرين ومدى تأثيرهم في السياسات على مستوى أميركا الشمالية، مشيرا إلى أنهم كانوا غير منخرطين في الحياة العامة، غير أنهم بدأوا اليوم يمارسون حياتهم كأميركيين لهم دور في الحياة العامة كما نظموا أنفسهم، لذلك بدأ اللوبي اليهودي يتنبه إلى احتمالات الدور العربي،الشيء الذي ولد معركة حادة في الجامعات والمدن والحكومات المحلية في مواجهة هذا النهوض الذي سيكون له تأثير متزايد في الحياة العامة في الولايات المتحدة .
هوية مركبة
انطلق الليبي مروان الكريكشي، مدير إدارة شمال إفريقيا والشرق الأوسط في مؤسسة مارتي أهتيساري للسلام في فنلندا (ليبيا)، في سياق تعاطيه مع قضايا الهجرة، وما تثيره من أسئلة، من هويته المركبة، حيث أن والده ليبي ووالدته فنلندية، كما أنه ترعرع في المغرب؛ لذلك قال إنه لا يعتبر نفسه مهاجرا في فنلندا، بل مواطنا يعيش في بلده.
نجيب فريجي
وتحدث الكريكشي عن أوضاع الهجرة في فنلندا، وقال إن نسبة المهاجرين في هذا البلد تناهز 8 بالمائة. كما أن الإيجابي في هذا البلد أنه يعترف بتعدد الهويات.
مهمة لم تتم
في مداخلة حملت عنوان "النخب العربية في المهجر: المهمة لم تتم"، للكاتب الصحافي العراقي هيثم الزبيدي، رئيس مجلس ادارة مؤسسة "العرب" في لندن ، شدد الكاتب في معرض مداخلته التي وزعت على المشاركين والجمهور الحاضر، على أنه "لا عيب في الاعتراف بالفشل".
وقال الزبيدي إنه بعد سنوات طويلة في بلاد المهجر، وفي فترة لم تتوقف فيها التغيرات الجيو سياسية عن هز العالم، والعالم العربي في القلب منها، "أجد أن تأثير النخب العربية على دول المهجر بقي محدودا وأبعد ما يكون عن الفعل المؤسسي ويعاني من تضارب مصالح رعاة أي مشروع من مشاريع الحضور الثقافي والسياسي والإعلامي. ليس تضاربا في مصالح بعضهم مع مصالح البعض الآخر فحسب، بل في الكثير من الأحيان يكون تضاربا في مصالح الراعي نفسه عندما يقرر أن يغير، بعد سنوات أو حتى أشهر، رأيه أو أولوياته".
وأضاف الزبيدي: "لا أبالغ عندما أقول إن الغرب لم يدرك أنه يوجه الأسئلة الجديرة بالطرح إلى "النخب" الخطأ، وإن النخب المنفتحة والعلمانية والموضوعية إما عجزت عن اختراق المنظومة السياسية والبحثية والإعلامية الغربية، أو أنها أنشأت منابرها البحثية الخاصة من مراكز مستقلة أو مؤسسات إعلامية، لكنها لأسباب مختلفة لم تتمكن من تحقيق الهدف".
وقال الزبيدي إنه عندما بدأ مداخلته القصيرة بالاعتراف بالفشل، فليس الهدف من ذلك القول بأن مشاريع اشتغل عليها أو أقامها غيره كانت متعثرة أو ضعيفة، أو غير موضوعية. لكن "مثل كل مهندس يحترم عقل من ينظرون إلى الجزء المهدم مما شيده، عليه أن يقول إن الأمر يقاس بالنتيجة. وطالما أن المشهد مأساوي ولا يزال مسيطرا عليه من قبَل متشددين أو من طرف غربيين ممّن إلى اليوم لم يفهموا أوضاع منطقتنا - بما تضمه من سكان وشعوب - أو أفكارنا، فإن المهمة لم تتم".
مفارقة
بدوره، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي اللبناني إياد أبو شقرا، في مفتتح تسييره للجلسة الثانية، إن هناك مزيدا من الأسئلة التي تطرح نفسها ولا تجد لها جوابا جاهزا، بخصوص الهجرة. ورأى أننا نعيش في عصر سقوط المسلمات، حيث أن أشياء عديدة نشأنا على تعريفها، مثل الحرية والتفاعل الحضاري والديمقراطية وحقوق الإنسان، وغيرها، أصبحت تعيش علامات استفهام ثقيلة مع شكوك كثيرة، حتى في أرقى الديمقراطيات في العالم.
وأضاف: "لئن كان موضوع الهجرة مهما في الدول التي نعتبرها دولا مركزية أو قومية حيث السكان الأصليون يشكلون أكثر من نصف السكان، فإن هناك مَهاجر تقوم كلها على المهاجرين غير أنها صارت تتحسس من المهاجرين". وأضاف: "أتفهم شعور الفرنسي والبريطاني والألماني، لكن أن يصبح المهاجر بعبعا مخيفا لمجتمعات كلها من المهاجرين فهذا أمر جديد علينا".
مبدأ إنساني
تحدث الروائي والباحث المغربي مبارك ربيع عن جانب أساسي يهم مستقبل النخب، يتعلق بعلاقة هذه الأخيرة ببلدانها الأصلية، وكيف يمكن أن تكون في خدمتها، على مستوى التنمية، هي التي تساهم في نهضة بلدان المهجر.
وبعد أن قال إن مبدأ الهجرة إنساني وإيجابي، يقوم على أسس التلاقي والتعارف، أشار إلى أن الإحصائيات المتعلقة بالهجرة، وتبين أنها لا تمثل إلى 3 بالمائة من سكان العالم، في وقت لا تتجاوز فيه هجرة الأفارقة 1 بالمائة، ويتم 80 بالمائة منها داخل القارة الإفريقية.
عرض دائم
من جهته، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي اللبناني محمد قواص إن الهجرة جزء من الوجود، قبل أن يتحدث عن تركز التعاطي مع مسألة الهجرة على تلك التي تتم أساسا نحو الغرب، بينما لا أحد يتحدث عن الهجرة إلى الصين والهند وروسيا، مثلا.
ورأى قواص أن الهجرة عرض دائم، بينما الأسباب ما زالت هي نفسها، وتتفاقم. وتحدث عن بلدان طاردة وأخرى جاذبة، قبل أن يشدد على أن هذه البيئة الحاضنة لم تعد كذلك، ولا مرحبة بالمهاجرين. وأضاف أن المهاجرين لا يذهبون إلى بلدان المهجر لكي يمثلوا بلدانهم، علاوة على أن الجاليات العربية المهاجرة متعددة، تبعا لتعدد البلدان العربية.
مساران
رأى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عبد الوهاب بدر خان أن لمستقبل الحضور العربي في بلدان المهجر مساران. وشدد على أن الجاليات العربية يجب أن تفكر بشكل عميق في الاندماج، إذاكانت تريد أن تكون فاعلة على المستويين الخاص أو العام. وقال إن من تقلدوا مناصب عليا في عدد من بلدان المهجر، من بين أبناء المهاجرين، لم يتمكنوا من ذلك إلا بعد أن أكدوا اندماجهم هناك.
وأشار بدر خان، بخصوص المسار الأول، إلى أن الدول المستضيفة تريد اليوم أن تتخلص من المهاجرين، لذلك صارت التشريعات تتوالى للحد من الظاهرة، كما صارت هناك دراسة لاقتراحات تهم كيفية التخلص من أكبر قدر من المهاجرين.
ورأى بدرخان أن من أهم وسائل الاندماج الاقتناع والتطبيق الحياتي اليومي والشخصي لمسألة احترام القانون ومحاولة المشاركة في الحياة السياسية في المَهاجر.
على مستوى المسار الثاني، تحدث بدرخان عن الدول العربية التي قال إنها ستبقى مصدرة للناس، سواء كانوا من النخبة أو من العامة.
ورأى بدرخان أن المساران يتحكمان في مستقبل الجالية العربية، وأنه يبقى من الأفضل أن تطور البلدان العربية نفسها، بحيث لا تصبح جهة طاردة أو مصدرة لأبنائها.
حلم وعناء
تساءل الكاتب الصحفي والروائي السعودي ياسر الغسلان، عن الهجرة، وإن كانت حلما يستحق العناء، قبل أن يستعيد تاريخ الهجرات العربية، مذكرا بالمغربي مصطفى الأزموري، الذي تقول كتابات تاريخية إنه كان أول شخص معروف ولد في شمال أفريقيا وصل إلى الأرض التي أصبحت الولايات المتحدة بعد فترة تزيد عن قرنين.وكان ذلك خلال عشرينيات القرن السادس عشر.
وتحدث الغسلان عن التحديات التي تواجه المهاجرين العرب، مشيرا إلى مناهضة التمييز في مجال العمل، والاستهداف المعرفي، والتمييز الديني، وإنكار الهوية وتشويهها، والاستيلاء الثقافي، ونقص الوصول إلى الوظائف.