رسم باحثون ومتخصصون لوحة صادمة عن واقع المسنّين في المغرب، وما يواجهونه من إكراهات في حياتهم اليومية، نتيجة إحساسهم بالعزلة في ظل الهشاشة والأمراض المزمنة التي تنهش أجسادهم في آخر محطات العمر.
إيلاف من الرباط: على امتداد أكثر من ساعة من الزمن، شهدت قاعة القدس، ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء، وقائع ندوة من تنظيم وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، تحت عنوان "واقع المسنين في المغرب في ظل التحولات الاجتماعية".
أجمع المتداخلون على أن ظاهرة الشيخوخة في المغرب في تزايد ملحوظ، نتيجة النمو الديموغرافي، وهي تستدعي معالجة جديدة لها تأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى، وذلك بما يكفل للمسنين حياة كريمة، "وإن كان هذا الهدف مازال بعيد المنال"، وفق تعبير أحد ممثلي المسنين خلال فتح النقاش مع الحاضرين في القاعة.
كنز في الدار
من جهته، دافع محمد أيت عزيزي، مدير مديرية حماية الطفولة والأشخاص المسنين في وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، الذي تولى تسيير الجلسة، عن السياسة التي تنهجها الوزارة والجهود التي تبذلها، والحملات الاجتماعية التي تقوم بها لفائدة المسنين، وضمنها حملة "الناس الكبار كنز في كل دار"، لإعطائهم الاعتبار اللازم، وتوفير شروط الحياة الكريمة لهم.
ظاهرة المسنين في المغرب باتت تطرح نفسها كحقيقة اجتماعية (صورة من الأرشيف) |
لدى تطرق عبد القادر تيطو، رئيس قطب الدراسات في "المرصد الوطني للتنمية البشرية" إلى النمو المتزايد في أرقام عدد المسنين، الذي بلغ ثلاثة ملايين وثلاثة وخمسين ألف شخص، حسب الإحصاء الرسمي الأخير لسنة 2014، أشار إلى أن هذا الرقم مرشح لمزيد من الارتفاع في السنوات المقبلة، مما يفرض التعامل مع الظاهرة بكل الجدية اللازمة، ضمن السياسة العمومية، وفق رؤية مستقبلية استباقية لتلبية الحاجيات اللازمة والانتظارات التي تتطلع إليها هذه الفئة الاجتماعية.
النظرة الاختزالية
من جهته، أبرز عبد الكريم بلحاج، أستاذ علم النفس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، في مداخلة له بعنوان "واقع المسنين بين التمثلات والتحولات المجتمعية"، أن مستوى العلاقات والتواصل مع المسنين تقلص أو عرف نوعًا من الاختزال، في العصر الحديث بفعل التغيير الذي طرأ على منظومة القيم المجتمعية.
انطلاقًا من رصده للظاهرة، سجل بلحاج أن هناك نظرتين متفاوتين للمسنين، الأولى ذات وقع إيجابي، وتتلخص في الاهتمام بهم بحكم الوازع الديني والارتباط العاطفي، والنظرة الثانية ذات وقع سلبي، وتعتبر الشيخ المسنّ عديم الفائدة، وقابلًا للعزل، "كأنما تقاعده هو توقف عن ممارسة الحياة".
وشدد على أن ظاهرة المسنين في المغرب باتت تطرح نفسها كحقيقة اجتماعية، لا بد من الاهتمام بها، في منأى عن "النظرة الاختزالية" التي تكرّسها بعض وسائل الإعلام.
طب الشيخوخة
بدورها، أوضحت الدكتورة منى معمر المختصة في طب الشيخوخة، أن إحساس المسنين بالعزلة والاكتئاب يأتي نتيجة غياب التواصل العائلي معهم، داعية إلى عدم التعامل معهم كعبء على الأسرة، بعد تقاعدهم وخضوعهم لمجموعة من الأمراض التي تتكاثر مع التقدم في السن.
كما ألحّت على ضرورة المواكبة الطبية للمسنين عبر توفير التغطية الصحية لهم وتحسين وضعيتهم المادية، ليعيشوا بقية عمرهم بكرامة، مشيرة إلى أن الهشاشة الاجتماعية تؤدي إلى إصابتهم بالأمراض المزمنة.
التحولات القيمية
وسلط الدكتور توفيق لحلو، الفاعل الجمعوي، الضوء على ظاهرة الشيخوخة متوقفًا عند التحولات القيمية الاجتماعية وتأثيراتها على المسنين، الذين يتجهون إلى مؤسسات الرعاية الاجتماعية بعيدًا عن الدفء العائلي.
بناء على هذا الواقع، اقترح لحلو إبقاء المسنين في الوسط العائلي، بعد توعية الأسر بأهمية ذلك، داعيًا إلى التعامل معهم بكل إنسانية، تقديرًا لدورهم في الحياة، ولظروفهم الصحية والنفسية، وفي الوقت نفسه توفير الدعم المادي اللازم لمؤسسات الرعاية الاجتماعية لتنهض بالدور الموكول إليها، وتنفتح على محيطها.