توفي الرئيس الإسرائيلي السابق وحامل جائزة نوبل للسلام شيمون بيريز عن 93 عامًا فجر الأربعاء بعد أسبوعين من إصابته بجلطة دماغية، كما أعلن طبيبه الخاص.
القدس: قال رافي والدن طبيب بيريز وصهره في الوقت نفسه في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس "نعم بالفعل" ان الرئيس السابق فارق الحياة، مشيرًا الى ان الوفاة حصلت "في الساعة الثالثة فجرا" (00,00 ت غ).
ورفض والدن الإدلاء بمزيد من التفاصيل، مشيرًا الى ان اعلانًا رسميًا بهذا الشأن سيصدر من العائلة قرابة الساعة السابعة (04,00 ت غ) في مستشفى تل هاشومير بالقرب من تل ابيب، الذي ادخل اليه قبل اسبوعين. من جهته قال مصدر قريب من العائلة لفرانس برس مشترطا عدم نشر اسمه ان بيريز اسلم الروح محاطًا بافراد عائلته.
شغل جميع المناصب
وبيريز هو الشخصية الاخيرة من جيل مؤسسي دولة اسرائيل، واحد المهندسين الرئيسيين لاتفاق اوسلو للسلام مع الفلسطينيين في 1993. تولى بيريز رئاسة الحكومة مرتين بين 1984 و1986، ثم في 1995-1996، والرئاسة بين 2007 و2014. وشغل على مدى اكثر من خمسين عاما جميع مناصب المسؤولية تقريبًا من دفاع وخارجية ومالية وسواها.
كان بيريز ايضا احد مهندسي البرنامج النووي لاسرائيل التي تعتبر القوة الذرية العسكرية الوحيدة في الشرق الاوسط. وفي ردود الفعل على وفاته، اشاد الرئيس الاميركي باراك اوباما ببيريز "احد الآباء المؤسسين لدولة اسرائيل ورجل الدولة الذي اعتمد في التزامه من اجل الامن والبحث عن السلام على قوته المعنوية الثابتة وتفاؤله الراسخ".
من جهته، اشاد الرئيس الاميركي السابق جورج بوش (الابن) بالتزامه طوال حياته السلام والحرية. وقال الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ان بيريز كان يعمل "بلا كلل في السعي الى السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين".
نعي ألماني
وفي برلين نعى الرئيس الالماني يواكيم غاوك بيريز، الذي "ترك اثرا في اسرائيل اكثر من اي سياسي آخر، وخدم بلده في وظائف عدة بمبادئ صلبة، عندما يكون الامر متعلقا بأمن اسرائيل، وبارادة قوية عندما يكون الامر مرتبطا بدفع عملية السلام مع الفلسطينيين قدما".
وكان بيريز اصيب في 13 سبتمبر الماضي بجلطة دماغية، رافقها نزيف داخلي، نقل على اثرها الى قسم العناية الفائقة في مستشفى تل هاشومير، حيث اعلن الاطباء ان وضعه حرج، واخضع للتنفس الاصطناعي في قسم العناية المركزة. واكد مصدر في محيطه طالبا عدم كشف هويته لفرانس برس ان وضعه الصحي تدهور الاثنين. واعترف المصدر نفسه الثلاثاء بان "الرئيس بين الحياة والموت" وبان الجلطة تسببت باضرار دماغية دائمة.
نوبل السلام
كان بيريز في قلب المعارك الكبرى في تاريخ اسرائيل وفي صلب السجالات العنيفة التي واكبت الحياة السياسية في هذا البلد، وتحول إلى شخصية توافقية، وينظر إليه الإسرائيليون على أنه احد حكماء البلاد.
وفي 1994 نال بيريز مع رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات جائزة نوبل للسلام عن "جهودهم لإحلال السلام في الشرق الأوسط". ويرتبط اسم بيريز ببداية انشطة الاستيطان في الضفة الغربية وبقصف مخيم تابع للامم المتحدة في بلدة قانا في جنوب لبنان في 1996 في مجزرة راح ضحيتها اكثر من مئة مدني.
وكان بيريز يصنف من بين "صقور" حزب العمل، وقد وافق حين كان وزيرا للدفاع في السبعينيات على بناء اولى المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة.
غير انه انتقل في ما بعد الى صفوف "الحمائم"، ولعب دورا حاسما في ابرام اتفاقات اوسلو مع الزعيم الفلسطيني التاريخي ياسر عرفات في 1993، فيما كان اسحق رابين رئيس الوزراء آنذاك يشكك بقوة في العملية السلمية.
رياضي
وكان بيريز المعروف عنه اعتناؤه الشديد بصحته ومحافظته على نشاطه، رغم تقدمه في السن، قال في احدى المرات ان سر عمره المديد يكمن في ممارسة الرياضة يوميا، وتناول كمية قليلة من الطعام وشرب كأسين من النبيذ يوميا.
وفي سن الـ93 كان بيريز لا يزال ينشط من خلال مركز بيريز للسلام، الذي يشجع التعايش بين اليهود والعرب، في وقت باتت آفاق تسوية النزاع الاسرائيلي الفلسطيني مسدودة اكثر من اي وقت مضى.
واضطر الى وقف نشاطاته مرتين في يناير لاصابته بعارضين في القلب خلال عشرة ايام. غير انه اكد بين الفترتين اللتين قضاهما في المستشفى، عزمه على استئناف العمل. وحين سألته مجلة "تايم" في فبراير عما يفتخر به بصورة خاصة، أجاب "الامور التي سيتوجب علي القيام بها غدا. الامور التي قمنا بها تمت. وهي من الماضي. ما يهمني هو الامور التي يمكننا ويجب علينا القيام بها غدا".
سيرة
من الصقور الى الحمائم
بيريز في الثاني من اغسطس 1923 في فيشنيفا البولندية انذاك، التي باتت اليوم ضمن بيلاروسيا، وهاجر في سن الحادية عشرة الى فلسطين التي كانت خاضعة للانتداب البريطاني. انذاك كان بيريز نموذجا لجيل قياديين حملوا السلاح للمرة الاولى مع اقامة دولة اسرائيل.
اعتبر بيريز من بين "صقور" حزب العمل، وقد وافق حين كان وزيرا للدفاع في السبعينات على بناء اولى المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة. كما كان رئيسا للوزراء عندما قصف الطيران الاسرائيلي في ابريل 1996 قرية قانا في جنوب لبنان فقتل 106 مدنيين، الامر الذي شكل ازمة لبيريز.
وبيريز الذي رفض في السابق اي تسوية مع الدول العربية المعادية لاسرائيل، اعلن عن تعديل فكره بعد 1977 وزيارة الرئيس المصري الراحل انور السادات الى القدس، التي ادت الى اول اتفاق سلام عربي اسرائيلي في 1979.
في 2013 صرح "لا بديل من السلام. التحارب لا معنى له"، واشار الى ان عملية السلام "هدفها واضح" ويكمن في انجاز "دولة يهودية اسمها اسرائيل ودولة عربية اسمها فلسطين لا تتقاتلان بل تعيشان معا بصداقة وتعاون".
توالي الخسائر والنهوض
دخل بيريز الساحة السياسية في سن الـ25 برعاية بن غوريون نفسه بعد ان التقيا اثناء محاولة بيريز توقيف سيارة فصادف مرور مؤسس الدولة العبرية.
مذاك برهن بيريز خلال حياته على صمود سياسي في مواجهة كل محنة. وقد سجل رقما قياسيا في الهزائم في الانتخابات التشريعية في 1977 و1981 و1984 و1988 و1996، ما جعله يوصف بـ"الخاسر الابدي". غير انه نهض بعد كل هزيمة، مؤكدا في كل مرة انه ما زال في وسعه خط فصول جديدة في سجله الحافل.
وخلال حياته السياسية المديدة تولى الكثير من المناصب الوزارية تقريبا خلال من الخارجية والدفاع والمالية والاعلام والمواصلات والاندماج وغيرها، اضافة الى تقلده رئاسة الوزراء مرتين قبل ان يتوج حياته السياسية في كرسي الرئاسة، المنصب البروتوكولي في الدولة العبرية.
كما تدين له اسرائيل بشركات الاسلحة وصناعات الطيران النافذة التي تملكها، ناهيك عن تحقيقه التعاون العسكري مع فرنسا في الخمسينيات.
في 2014 اكد المعلق ناحوم بارنيا في صحيفة يديعوت احرونوت ان "شيمون بيريز كان رئيسا مهما بفضل مكانته الخاصة لدى العواصم العالمية اضافة الى استرداد كرامة اسرائيل بعد موشيه كتساف" الذي يقضي حكما بالسجن بتهمة الاغتصاب. بعد مغادرته الرئاسة ظل بيريز ناشطا حول العالم والقى خطابات في مؤتمرات عالمية مختلفة. تزوج شيمون بيريز بصونيا التي توفيت في 2011 وقد انجب منها ثلاثة ابناء، وكان جدا لاحفاد عدة وابناء احفاد.


