: آخر تحديث
في احتفالية تجمع بين التراث والحداثة والثقافات العالمية

انطلاق مهرجان "كناوة وموسيقى العالم" في الصويرة المغربية وسط اقبال جمهور حاشد

2
3
2

إيلاف من الصويرة: انطلقت ، الخميس، في مدينة الصويرة المغربية فعاليات مهرجان "كناوة وموسيقى العالم" في دورته ال26، التي تشهد مشاركة 350 فناناً، من بينهم 40 معلماً كْناوياً، يقدمون 54 حفلاً موسيقياً؛ فيما تتنوع العروض بين الحفلات الكبرى في الهواء الطلق والعروض الموسيقية الوترية، إضافة إلى العروض في الأماكن التراثية.

احتفالية فريدة
قالت نايلة التازي، منتجة المهرجان، في كلمة الافتتاح، على منصة مولاي الحسن، إن التظاهرة "احتفالية ثقافية فريدة، تَجمع بين التّراث والحَداثة، وبينَ الثقافات العالمية المختلفة".

نائلة التازي

وشددت التازي على أن المهرجان "فرصة لنعبر عن تراثنا الغني والمتنوِع، ولتبادل الخبرات والمعارف مع فنانين ومتخصصين من مختلف أنحاء العالم".
وأضافت التازي أن المهرجان "ليس مجرد تظاهرة فنية أو مناسبة احتفالية موسمية؛ بل هو مشروع ثقافي وطني يحمِل رؤية فلسفية وإنسانية عميقة، رؤية تؤمن بأن الثقافة رافعة استراتيجية للوحدة الوطنية، وأَداة فاعلة للدبلوماسِية الثّقافية المغربية".

جسر بين الشعوب
رأت التازي أن المِهرجان، الذي يطفئ هذا العام شمعته ال26، صار من بين أَعرق التظاهرات الثقافية في المغرب، وأكثرِها تجذرا في محيطِها. وشددت على أن هذه الاستدامة ليست وليدة الصدفة، بل نتيجة "التزام ٍصادق وعمل مستمر" في خدمة فن "كناوة" وتحقيق الإشعاع الثقافي للبلاد. وأَضافت: "نحن هنا نصنع عولمة خاصة منبثقة من تاريخِنا العريق، ومن ذاكرتنا الجَماعية الممتدة عبر القرون".

وخلصت التازي إلى أنهم كمنظمين، يحملون في قلوبِهم إيمانا راسخا بأن الثقافة كانت وستبقى جسرا بين الشعوب، وفضاء للسلام، والأمَل، والكَرامَة والإنسانية.

توارث وتقاسم
جسد حفل افتتاح دورة هذه السنة، والذي تابعه جمهور كبير،روح المهرجان من خلال ثلاثة عناوين كبرى: التوارث والجرأة والتقاسم.
وانطلق برنامج الافتتاح بموكب جاء زاخرا بالإيقاعات والرموز التراثية، جاب خلاله فنانو "كناوة" شوارع الصويرة في مشهد جسد الفرح الشعبي والوحدة الروحية، ممهدا الطريق لأجواء احتفالية تميزت بطابعها البهيج والروحاني والعالمي.
وجاء حفل الافتتاح مبهرا، حيث ضم برنامجه المْعلم حميد القصري، الرمز الحي للطقوس الكناوية المغربية، إلى جانب فرقة باكالاما السنغالية المتخصصة في إيقاعات ورقصات غرب إفريقيا التقليدية. ثم عبير العابد وكيا لوم اللتان اشتركتا في نسج خيوط صوتية متنوعة تمزج بين الروحانيات المغربية والإيقاعات التقليدية والموسيقى المعاصرة.

ثراء في التجارب الموسيقية
تتميز دورة هذه السنة بثراء التجارب الموسيقية، حيث يلتقي المْعلم حسام غينيا بعازف الطبول الأميركي ماركوس جيلمور من نيويورك في أداء مشترك على آلة الكمبري. فيما يدخل مراد المرجان في حوار روحي مع ظافر يوسف، رائد الجاز الصوفي.

جانب من حفل افتتاح مهرجان "كناوة"
 


وتبرز المشاركة النسائية من خلال أسماء حمزاوي وفرقة بنات تمبكتو، اللواتي ينسجن مع الفنانة المالية رقية كوني أغانٍ تجمع بين المقاومة والأخوة النسائية، المشبعة بالتقاليد والالتزام الاجتماعي.
ويقود المْعلم محمد بومزوغ مشروعاً إبداعياً جديداً يضم كلاً من أنس شليح وألي كيتا وتاو إيرليش ومارتن غيربان وكوينتين غوماري وحجار العلوي، في مغامرة صوتية تربط بين المغرب ومالي وفرنسا.
كما تعرف الدورة حضوراً مميزاً لنجوم الموسيقى والشتات الأفريقي، حيث يلتقي النجم الصاعد سِيمَا فانك من الساحة الأفرو - كوبية بأسطورة الريغي الملتزم تيكن جاه فاكولي، إلى جانب الظاهرة النيجيرية في موسيقى البوب سي كاي، في لقاء استثنائي مع جمهور متنوع الأجيال. فيما تحظى موسيقى كناوةبتمثيل قوي هذا العام على منصة الشاطئ، حيث يقدم الجيل الجديد من الفنانين عروضاً مميزة إلى جانب الأساتذة الكبار، مما يعكس تواصل الأجيال والحفاظ على التراث الموسيقي الأصيل.
وتأكيدا لهوية المهرجان كمساحة للجرأة والابتكار، يقدم فنانون مبدعون مثل فهد بنشمسي ، وأند ذا لالاز، وديوعود، مشروع نِشطيمان، و ذا ليلى، ورباب فيزيون مقترحاتهم الفريدة التي تجمع بين الجذور المحلية والتأثيرات المعاصرة، مع التزام صوتي قوي يميز أداءهم.

ديناميات ثقافية
يركز منتدى حقوق الإنسان في دورته الثانية عشرة، الجمعة والسبت، على موضوع "الحركيات البشرية والديناميات الثقافية"، بمشاركة نخبة من المفكرين والمبدعين، بينهم كتاب ومخرجون وعلماء اجتماع، يتناولون العلاقات المعقدة بين الهجرة والسرد والإبداع الفني والهوية، في حوارات تهدف إلى تقديم رؤى جديدة حول هذه القضايا المعاصرة.


جانب من حفل افتتاح مهرجان "كناوة"
 


وبهدف الاستثمار في المستقبل عبر نقل المعارف والإبداع، يعود برنامج "بيركلي في مهرجان كناوة والموسيقى العالمية" في دورة ثانية، بالشراكة مع كلية بيركلي للموسيقى الأميركية المرموقة، من خلال توفير فرص تدريب متقدمة لموسيقيين شباب من 23 دولة، إلى جانب فنانين معترف بهم دولياً.
وصُمم البرنامج كمختبر حي للتعلم والتعاون الموسيقي، ويجسد القيم الأساسية للمهرجان المتمثلة في التوارث والتحدي والجرأة في التجريب الفني.
وعلى نفس المنوال، سيؤدي إحداث "كرسي التقاطعات الثقافية والعولمة"، الذي يستند إلى مختبر للهجنات الثقافية، ويُقام بالتعاون مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، إلى تنظيم مائدتين مستديرتين مفتوحتين للعموم خلال المهرجان، يقوم خلالها باحثون وفنانون ومفكرون باستكشاف الروحانيات المتقاطعة، وأصداء الطقوس الكناوية، وأشكال مزج الموسيقى المعاصرة.

بين اللعب والذاكرة
فضلا عن الفقرات الموسيقية ومنتدى حقوق الإنسان، يتضمن البرنامج الثقافي للمهرجان مجموعة متنوعة من الأنشطة، منها لقاءات "شجرة الكلام"، وهو فضاء للحوار مستوحى من التقاليد الإفريقية العريقة، ومعرضا تحت عنوان "بين اللعب والذاكرة"، علاوة على الحفلات الموسيقية في الشوارع والورشات المفتوحة أمام الجمهور.
وتشكل هذه الفعاليات، بسحب المنظمين، لحظات قيمة تتيح للزوار الانغماس في الأجواء الثقافية للمهرجان بعيداً عن زحمة العروض الرئيسية.

موعد سنوي
يشار إلى أن مهرجان "كناوة" استطاع أن يتكرس كموعد سنوي ببعد عالمي، بعد أن انطلق في 1998، كخيار يهدف إلى تطوير وتنمية الصويرة عبر الثقافة.
ومنذ أكثر من ربع قرن، لم يكن المهرجان كمجرد حدث موسيقي، بل مشروعا ثقافيا حيا، ومحركا لنقل التراث، والحوار، والابتكار: مهرجان فريد من نوعه يحتفي بغنى التراث الكناويعبر تفاعله مع موسيقى العالم، محولاً مدينة الصويرة إلى ملتقى دولي تلتقي فيه التقاليد بالحداثة في روح من الإبداع والأخوة.
وتطور المهرجان كثيرا، على مدى دوراته السابقة، ليصير موروثا وطنيا، مبرهنا على حيوية موسيقى "كناوة"، ضمن المشهد الثقافي المغربي والدولي، الشيء الذي مكنه من أن يرتقي إلى مستوى أكبر مهرجانات الموسيقى عبر العالم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ترفيه