: آخر تحديث

ترامب فتوة العالم

3
3
2

لا أجد لقباً للرئيس الأميركي الأسبق والحالي دونالد ترامب أفضل من لقب "فتوة العالم".

وسبق لي أن كتبت عن الفتوات في أدب نجيب محفوظ، ومن أشهر فتوات مصر في الأربعينيات وبداية الخمسينيات كان فتوة بولاق، إبراهيم كروم، وهو أشهر فتوة في مصر. ومن الروايات التي حُكيت في مصر عن الفتوات:

"ولعل من أشهرها واقعة الفتوة إبراهيم كروم، فتوة بولاق، الذي كان البوليس والإنكليز يتفادونه، لما له من سطوة ونفوذ وأتباع. وبعد انقلاب تموز (يوليو)، كانت له بعض المواقف، كالتبرع بألف جنيه مصري عام 1956 لتسليح الجيش، ويُقال إن وزير الداخلية، زكريا محيي الدين وقتها، استدعاه وطلب منه التوسط لإجراء صلح بين أكبر عائلتين في حي المدبح بالقاهرة، بعد أن دارت بينهما معركة دامت لأكثر من شهر، سقط فيها عدد كبير من الجرحى والقتلى. وبالفعل، تم الصلح في لقاء حضرته القيادات الأمنية، وبدأ بتلاوة القرآن الكريم لكل من الشيخين مصطفى إسماعيل ومحمد صديق المنشاوي، وأرسل له وزير الداخلية خطاب شكر لجهوده في حل النزاع.

لكن، هل شفع للرجل تبرعه بالنقود والتدخل لحل نزاع فشلت فيه وزارة الداخلية؟ فعندما علم كروم بموعد عودة جمال عبد الناصر من مؤتمر باندونغ، ذهب إلى سيرك إبراهيم الحلو ـ أشهر مدرب أسود في مصر هو وعائلته ـ وطلب منه استعارة أسد يركبه أثناء استقباله للزعيم، إلا أن إبراهيم الحلو رفض خوفاً على حياة الناس، وأقنع كروم باستبداله بحصان. وبالفعل، ركب كروم حصانه واستقبل 'عبد الناصر أبو خالد' بموكب حاشد من أهالي بولاق، وكتب على أكبر لافتة في ميدان عابدين: 'إبراهيم كروم فتوة مصر يحيي جمال عبد الناصر فتوة العالم'. لكن عبد الناصر، فتوة العالم وقتها، لم يعجبه أن يكون هناك فتوة غيره، وبعد أشهر تم إلقاء القبض على كروم بتهمة الانضمام لتنظيم الإخوان المسلمين، حيث كان كروم بالفعل عضواً في الجماعة منذ عام 1944. وقد نسي عبد الناصر نفسه أنه كان أحد أعضاء الجماعة. وهكذا الحال دوماً مع الفتوات الزملاء، فالحارة لا تسع إلا فتوة أوحد".

وبالفعل، كان عبد الناصر يعتبر نفسه فتوة الشرق الأوسط وأفريقيا، والكل يعرف تاريخه حتى سقط بعد هزيمة 1967.

أما الفتوة الجديد للعالم الحقيقي الآن فهو ترامب، فها هو في أول أسبوع:

يطالب بالاستيلاء على جزيرة غرينلاند من الدنمارك لما بها من موارد طبيعية وموقع هام بالنسبة إلى أميركا.

يطالب بالاستيلاء على قناة بنما لأنها قناة هامة لأميركا (وأرجو أن يكون ضعيفاً في الجغرافيا، وربنا يعميه عن قناة السويس).

وأكبر "هبشة" أو "هبرة" للفتوة هي كندا، وبدون مناسبة يريد أن يجعل كندا الولاية رقم 51 لأميركا.

يريد طرد ما تبقى من الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية وترحيلهم إلى مصر والأردن، ويعتبر أنه بهذا يحل مشكلة القضية الفلسطينية.

يطلب الإتاوات مثل الفتوات وعصابات المافيا، فلكي يتكرم سيادته ويقوم بزيارة السعودية، فعلى السعودية أن تشتري منتجات وأسلحة واستثمارات داخل أميركا بمبلغ 500 مليار دولار، ولما أعلنت السعودية استعدادها لذلك، زاد الإتاوة إلى ألف مليار دولار.

إقرأ أيضاً: الأحداث التاريخية حقيقة أم فيلم سينمائي!

بدأ في فرض جمارك على جيرانه، كندا والمكسيك، بنسبة 25 بالمئة اعتباراً من أول شباط (فبراير)، وبهذا ينسف اتفاقية "نافتا" بين أميركا وكندا والمكسيك.

بدأ أيضاً في فرض جمارك على المنتجات الصينية بنسبة 10 بالمئة.

قام بإلغاء اشتراك أميركا في اتفاقية باريس للمناخ.

خلال عشرة أيام من توليه الحكم، بالتوقيع على حوالى 300 قرار رئاسي (تم إيقاف اثنين منها من قبل القضاة الفيدراليين لعدم دستوريتها).

والعجيب أن لديه أغلبية من حزبه في الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، وكان من الممكن أن يلجأ إليهم لإضفاء الصفة الدستورية والقانونية على قراراته.

واتخاذ هذا العدد غير المسبوق من القرارات في تلك الفترة القصيرة وبهذا التسرع، لا بد أن يؤدي إلى أخطاء. وإذا أخطأ ترامب أثناء إدارة شركته، فإنَّ الخسارة ستعود عليه وحده، ولكن إذا أخطأ نتيجة التسرع في تلك القرارات الرئاسية، فإنَّ الخسارة ستعاني منها أميركا كلها، وربما العالم كله.

إقرأ أيضاً: كيف أصبحت أغنى رجل في العالم؟

ولكنه يدير أميركا حالياً وكأنها إحدى شركاته، غير مدرك لوجود انفصال في السلطات في أميركا (السلطة التنفيذية التي يرأسها، السلطة التشريعية ثم السلطة القضائية).

ويبدو أن ترامب أيضاً ينسى أن أميركا دولة فيدرالية بها 50 ولاية، وكل ولاية لها ما يشبه الحكم الذاتي، فلكل ولاية حاكم وكونغرس وقضاة، وحتى داخل الولاية الواحدة توجد مقاطعات ومدن لها مجالس منتخبة ومستقلة أيضاً.

أميركا ليست مثل بلادنا أو جمهوريات الموز التي يحكمها شخص واحد مع جيشه.

وبالطبع، يتمنى ترامب أن يكون دكتاتوراً يحكم أميركا والعالم على مزاجه، وقد صرح بذلك بالفعل، حتى إن بعض المهاويس، وأسميهم "مرضى ترامب"، وبعضهم أصدقاء لي هنا في أميركا، يطالبون بتعديل الدستور لكي يسمح لترامب بتولي فترة رئاسية ثالثة.

إقرأ أيضاً: قراءة في كتاب يحيى السنوار "الشوك والقرنفل"

ومن مميزات ترامب أنه ليس سياسياً بالمفهوم التقليدي، فهو رجل أعمال ومطور عقاري ناجح، ويعتقد أن نجاحه في تطوير العقارات يسمح له بإدارة ليس أميركا فحسب، بل العالم كله، كما لو كان يدير مشروعاً عقارياً.

وسوف يكتشف ترامب أنه ليس الفتوة الوحيد في العالم، فهناك الصين وروسيا وأوروبا، فتوات يجب أن يُحسب لهم حساب.

أما باقي الدول الغلابة "الحرافيش"، فما عليها إلا الفرجة والدعاء بألا يصيبها مكروه من صراع فتوات العالم، وتدعو وتقول: "ربنا على المفتري".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف