: آخر تحديث

أخوة الكرد والعرب في سوريا: تاريخ مشترك ومسؤولية مصيرية

3
3
3

منذ بدايات تأسيس سوريا، غدا الكرد والعرب شركاء في الوطن، الدين، والثقافة، رغم أنَّ الكرد من الشعوب العريقة التي يدين أبناؤها بديانات متعددة، آخرها الإسلام، وذلك بعد أن ابتلعت الخريطة الجديدة جزءاً من كردستان، بموجب مخطط سايكس بيكو، وأسسوا معًا نسيجًا اجتماعيًا غنيًا بالتنوع، كامتداد. في سوريا، لعب الكرد دورًا محوريًا في بناء الدولة الحديثة، لكن هذا الدور تعرّض للإقصاء والتهميش بسبب سياسات قوموية عمدت إلى طمس خصوصيتهم الثقافية والقومية، وحرمتهم من حقوقهم المشروعة كشعب أصيل.

الكرد في تأسيس سوريا والدور المبكر
مع تأسيس الدولة السورية في أوائل القرن العشرين بعد انهيار الدولة العثمانية، كان الكرد من أوائل المشاركين في بناء سوريا. أسماء مثل محمد علي العابد (1932-1936)، حسني الزعيم (1949)، أديب الشيشكلي (1953-1954)، فوزي سلو (1951-1953)، ناهيك عن آل البرازي والأيوبي وغيرهم وغيرهم، تمثل أبرز الرؤساء السوريين والقادة من أصول كردية الذين عملوا على إرساء دعائم سوريا الحديثة. هؤلاء الرجال لم يتعاملوا مع المناصب التي شغلوها من منظور قومي ضيق، بل كرسوا جهودهم لخدمة المشروع الوطني السوري.

ورغم إخلاصهم، لم تقبل بعض التيارات القومية المتشددة هؤلاء القادة بسبب أصولهم الكردية. هذه الموجة من العداء تفاقمت مع تصاعد التيارات القومية العربية في منتصف القرن العشرين، والتي بدأت تتعامل مع الكرد كعقبة أمام مشروع "البوتقة العربية"، أي بعد صعود القومويين من: ناصريين، عفالقة،  وأرسوزيين.

الفاشية التي أجهزت على الأخوة:
أو تصاعد القومية البعثية وسياسات الإقصاء

مع وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963، شهد الكرد تهميشًا ممنهجًا. استلهم الحزب سياساته الفاشية من تجربة مصطفى كمال أتاتورك في تركيا، حيث تم حظر اللغة الكردية ومنع أي تعبير عن الهوية الكردية في سوريا. حتى في المناصب الحكومية، تم تهميش الكرد، إذ لم تُسند لهم أي مناصب وزارية أو قيادية إلا في حالات شكلية ضمن إطار الجبهة الوطنية التقدمية، التي كانت تُدار من قبل الحزب الحاكم الذي أفرغها من محتواها، واستخدمها، تدريجياً، كواجهة ومؤسسة تابعة!

خلال عهد حافظ الأسد (1971 - 2000) ومن بعده بشار الأسد (2000 - 2024)، تفاقمت السياسات التمييزية. تم تنفيذ مشاريع مثل "الحزام العربي" الذي أقر سنة 1965 تنفيذاً لتوصيات المجرم محمد طلب هلال ونفذها حافظ الأسد سنة 1974 بالمرسوم رقم 521، " والإحصاء الفاشي" عام 1962، الذي أدى إلى تهجير آلاف الكرد من مناطقهم في الجزيرة السورية وإحلال عائلات عربية بديلة. هذه السياسات أثرت بشكل عميق على النسيج الاجتماعي، وهددت العلاقة التاريخية بين الكرد والعرب.

التدخلات الإقليمية وتصاعد الاستهداف
مع بداية الأزمة السورية في عام 2011، استغلت القوى الإقليمية الوضع لتحقيق مصالحها، وكان الكرد هدفًا رئيسيًا لهذه التدخلات. إذ أنَّ تركيا، وبدعم من فصائل مسلحة، شنت حملات عسكرية على مناطق الكرد، كما حدث في عفرين عام 2018، وسري كانيه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) في 2019. الهدف من هذه العمليات كان التغيير الديموغرافي وتهجير السكان الكرد وإحلال سكان جدد غير كرد في هذه المناطق.

إيران، بدورها، سعت إلى تقويض أي مشروع كردي يمكن أن يشكل تهديدًا لنفوذها الإقليمي. كما لعب حزب الله والفصائل التابعة له دورًا في هذا السياق، بالتوازي مع الحملات الإعلامية التي شوهت صورة الكرد وسعت لربطهم بمشاريع معادية للعرب والمسلمين.

الطريق إلى المستقبل
لا خيار أمام الكرد والعرب في سوريا - لا سيما بعد سقوط نظام البعث - سوى التآخي والعمل معًا لمواجهة التحديات المشتركة. إذ يشكل الكرد والعرب القوميتين الأكبر في البلاد، ومن الضروري أن يجدا صيغة مشتركة لبناء دولة حديثة تقوم على العدالة والمساواة. إنَّ بناء سوريا الجديدة يتطلب الاعتراف الكامل بحقوق الكرد كشعب أصيل وضمان مشاركتهم الفاعلة في نظام لا مركزي فيدرالي يحترم الخصوصيات الثقافية والقومية لجميع المكونات.

الحاجة إلى الضغط الدولي
يتعين على المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته في الضغط على تركيا والفصائل المسلحة التابعة لها لإنهاء سياسات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي ضد الكرد. الحرب الممنهجة ضد الكرد ليست مجرد أزمة داخلية، بل هي جزء من حرب إقليمية تتطلب تدخلًا دوليًا لضمان حماية الكرد وضمان حقوقهم ضمن إطار الدولة السورية.

من هنا، نجد أنَّ أخوة الكرد والعرب في سوريا ليست مجرد مسألة تاريخية، بل هي ضرورة مصيرية لبناء مستقبل مشترك. وأنَّ بقاء سوريا موحدة ومزدهرة يعتمد على القدرة على تجاوز السياسات الإقصائية والعمل على تحقيق مصالحة وطنية شاملة تضمن لكل مكون حقه في التعبير والمشاركة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف