في خضم حرب شعواء تستمر في نقش جرح غائر في نفوس الغزيين، وترسم تفاصيل حياتية يومية شديدة السواد والعتمة، يبرز دور الفن كمنارة أمل وصوت للمظلومين ورسالة عابرة للقارات، تشحن المجتمع الدولي بشعور التعاطف مع شعب أعزل يعيش معاناة غير مسبوقة في التاريخ الحديث.
فالفن، بكل أنواعه وأشكاله، هو لغة عالمية تتجاوز الحواجز اللغوية والثقافية وتصل إلى القلوب والعقول. ومع كل تصعيد عسكري ضد غزة، يعود الفن إلى الواجهة، ليس فقط للتعبير عن الألم والمعاناة، بل أيضاً للكشف عن الحقيقة. قد يكون وسيلة للدفاع عن حقوق هذا الشعب المشروعة ويشكل جزءاً أساسياً من النضال، حيث يسهم بنقل القصة والتوعية العالمية، ويوثق التحديات والروح القتالية للشعب الفلسطيني في وجه الظروف الصعبة.
تعتبر القضية الفلسطينية من أكثر القضايا الإنسانية إلهاماً للفنانين، حيث استخدم الفلسطينيون فنونهم المتنوعة كوسيلة فعّالة لنقل الروح والصمود للعالم. يتجسد هذا التأثير في التراث الثقافي والفني العربي الذي يعكس واقع الحياة والمعاناة اليومية للشعب الفلسطيني. قام العديد من الفنانين العرب بإظهار تضامنهم مع القضية الفلسطينية عموماً، ومع أهالي غزة خصوصاً، حيث استنكروا علناً العدوان الإسرائيلي الحالي. ورغم التضليل الإعلامي الغربي، عبّر العديد من مشاهير هوليوود عن دعمهم لفلسطين وأهل غزة، مؤكدين إدانتهم للجرائم التي ترتكبها "إسرائيل".
تناولت الأعمال الدرامية العربية الكثير من القصص التي تبرز القضية الفلسطينية، وتحيي روح المقاومة بين العرب والمسلمين، حيث تمكنت من إيصال رسائل لا تستطيع القوى والوسائل الأخرى تأديتها، لكونها تسكن البيوت والعقول. كان لهذه الأعمال دور مهم في تشكيل وجدان الجمهور وفهمه للقضية الفلسطينية، حتى أصبح بعضها المصدر الوحيد الذي يساهم في تكوين آراء الأجيال المتعاقبة من المشاهدين العرب.
الموسيقى، التي هي جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية، تساهم في بعث روح المقاومة والصمود، وتعبر الأغاني الحزينة عن الألم والمعاناة. هذا النوع من الفن أصبح لغة مشتركة تجمع الفلسطينيين في كل مكان وتنشر رسالة الأمل والمقاومة.
أيضاً، كان للفن التشكيلي ولا يزال دوره المهم في ترويح الشعب الفلسطيني بل ومكافحة الاحتلال. يعتبر من أهم الأدوات التي يستخدمها الفنانون الفلسطينيون للتعبير عن معاناتهم. فاللوحات والمنحوتات تصوّر الدمار والقتل والتشريد، وتنقل إلى العالم مشاعر الألم والحزن والغضب. لا تكاد تخلو لوحات أي من التشكيليين الفلسطينيين من اللون الأحمر، إشارة إلى دماء الشهداء، أو الكوفية، رمز الهوية الفلسطينية.
إقرأ أيضاً: ازدياد الاعتقالات في الضفة بسبب "التصريحات التحريضية"
ساهمت المشاركة في المعارض الفنية والمهرجانات الدولية في تمكين الفنانين الفلسطينيين من إيصال رسالتهم إلى جمهور واسع، وتحفيز التضامن مع القضية الفلسطينية. وهنا يكمن دور الفن الحقيقي، الذي يخلق حالة من الوعي العالمي بالقضية ويدفع صناع القرار إلى اتخاذ مواقف أكثر عدلاً.
تعرض الفنانون الفلسطينيون ولوحاتهم للاستهداف من قبل الاحتلال؛ فقد تم اعتقالهم، وصودرت أعمالهم، ومنعوا من السفر بهدف منع نقل الواقع الأليم للمجتمع العربي والدولي. لكن هذا لم يمنع ريشة الفنان الفلسطيني من تسجيل ألوان المعاناة والعذاب للتاريخ.
يتجاوز الفن الفلسطيني في رسالته مفهومه البسيط كأداة تواصل، ليصبح مرآة تعكس هوية الشعب وتاريخه العريق. عبر اللوحات والمنحوتات والأشعار والأغاني، يتم الاحتفاء بالأرض والتراث، وتعزيز الانتماء الوطني، ومقاومة محاولات طمس الهوية الفلسطينية. وامتد الأمر لأن يمارس الفنان الفلسطيني مهمة فضح جرائم الحرب وتوثيق المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. يصبح الفن بذلك سلاحاً ناعماً يكشف زيف الرواية الإسرائيلية ويعري وجه العدوان.
إقرأ أيضاً: ماذا لو زار عباس قطاع غزة.. هل تقبل إسرائيل؟
يعاني الفنانون الفلسطينيون من الحصار الإسرائيلي الذي يحد من حركتهم ووصول المواد الفنية إليهم. تخضع الأعمال الفنية الفلسطينية للرقابة من قبل الاحتلال، مما يحد من حرية التعبير والإبداع. الفن هو سلاح ناعم في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ومن خلاله يستطيعون تغيير الواقع وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
ختاماً، كما أدى الفن الفلسطيني دوره المهم والفاعل على مدى عقود من الاحتلال والعدوان، وكما ظهرت أهمية هذا الدور وتنوع فوائده، فإنه من الأحرى به الاستمرار في قول مقولته، وتعرية الفعل الاحتلالي، وتشكيل الخطاب البصري الذي يحث على التضامن عالمياً مع قضيته العادلة. أرشفة البشاعة والفظاعة التي يمارسها الاحتلال وتوثيقها تبقى ضرورة ملحّة في ظل الأوضاع الراهنة.