عند الحديث عن حديقة الكويت السياسية، يتوجب علينا استحضار علاقات الأخوة التي تربطنا بالعراق الشقيق وشعبه العظيم وتقاسم مسؤولية ترميم العلاقات بيننا بعد اجتياح نظام صدام حسين الدموي للكويت في العام 1990.
يجدر بنا التساؤل عن مسوغ تمترس المواطن العراقي والكويتي -البعض طبعا- خلف عداء دون نهاية وسجال سرمدي دون نتيجة، فالعراق لم يعد فيها نبضاً ناطقاً باسم صدام حسين وحاشيته، والكويت عادت بقيادتها الشرعية مع شموخ شعبها وبطولة الصمود.
في مرحلة غزو الكويت كانت الظروف قاسية للغاية في الكويت وعلى الكويتيين تحديداً، فهناك من قُتل وهناك من تشرد وهناك الأسير والطفل الرضيع والأطفال الخدج الذين كادوا يدفعون ثمن الحياة.
في ذكرى غزو الكويت ال 34 لا نحتاج إلى الحديث عن التدمير الذي أصاب حقول النفط ولا ترهيب الأبرياء العزل ولا هتك الأعراض وسفك الدماء المدنية ولا نملك سوى أن نترحم على الشهداء، فجريمة صدام حسين مكتملة الأركان سياسياً وقانونياً.
محنة غزو الكويت، قلبت، دون شك، جميع المعادلات السياسية والقيم الإسلامية والعربية ولم تسلم منها الانتماءات القومية والمقاومة الفلسطينية التي انطلقت من رحم الكويت وتنكرت لمهدها!
تسامحت الكويت مع ما سمي آنذاك بدول الضد، وتسامحت الكويت مع منظمة التحرير الفلسطينية أيضاً، وغضت الطرف عن جماعة "الإخوان" في الكويت الذين ما زالوا يترنحون بين الحنان للتنظيم الدولي للإخوان وتبرير موقف حركة "حماس" من الغزو!
لماذا نرجح العداء السرمدي مع العراق في مختلف المناسبات؟! ولماذا مشاعر العداء وتأجيجها تحولت إلى طباع اجتماعية وسلوكيات عامة وغاية شعبية كل ما حاولنا تضميد الجروح وتجاوز الماضي والسمو نحو مستقبل مستقر مع العراق الشقيق؟!
في هذه المرحلة الدقيقة التي نمر فيها، والتي تحتاج إلى حشد الطاقات من أجل مواجهة التحديدات، والتغلب على الصعاب السياسية، والتخطيط والإعداد لمرحلة دستورية جديدة ليعود نبض الحياة الديمقراطية، تأتي نزعات العداء المتطرف لتدخلنا في دوامة الصراع مع الجار العراقي!
طاقات تستنزف الشعب الكويتي والشعب العراقي الشقيق أيضاً وتصرفهم عن توجيهها الوجهة الصحيحة والصحية للعلاقات بين الشعبين لخدمة مصالح مشتركة وإعادة بناء العلاقات وترميمها على أسس المصير والمستقبل المشترك وحسن الجوار.
هناك طبقة تشربت العداء في العراق ضد الكويت والعكس في الكويت ضد العراق، وهناك طبقة تشربت الغلو في الدين والإرهاب الفكري بعيدة عن طبيعة المجتمع الكويتي وسماحته والاستنارة التي جبل عليها أهل الكويت.
القضاء الكويتي حسم طبيعة الجريمة الجنائية للمتعاونين من الجنسية الفلسطينية تحديداً مع نظام المقبور صدام حسين وحسمت الاتهام والادانة واستثنت من ذلك تهم الانتماء لحزب البعث لأنها إيدلوجية وفكر سياسي لا علاقة له ولا صلة بجريمة احتلال الكويت.
ولعل الاحكام القضائية الكويتية تعد مثال كاف للدلالة على براءة الأيدولوجيات من غزو الكويت وأي حديث أخر عن الفكر البعثي لا يغدو كونه نمط تفكير فردي في عالم لا يهضم الفكر السياسي والعمل الحزبي.
يبدو أن التوتر الذي يسود الكويت حتى الآن تجاه العراق الشقيق ناجم، بلا شك، عن إحساس مشروع لبعض المواطنين أو شريحة معينة ولكن الغير مشروع هو فرض تصورات ومشاعر فردية على العامة والدولة والعلاقات مع العراق مستظلة بمظلة الغزو وأثاره!
ويبدو جلياً أن المشكلة تكمن في عدم التمييز بين نظام صدام وحزب البعث والمنتسبين لهذا الفكر السياسي، وعدم التفريق بين طاغية بغداد وبين إيديولوجية ينتسب لها البعض في الكويت ومنهم الشهيد فيصل الصانع وأخرين منهم شخصيات عراقية وعربية.
لقد تغيرت الظروف في العراق والكويت تبعاً لتغيَر الزمن ولكن الذرائع والفتن ما زالت تغذي مشاعر العداء وتأجيج الاحتقان بين الشعبين العراقي والكويتي ولابد من معالجة الذرائع في الكويت قبل العراق.
العراق ليس بخير وتعيس سياسياً وطائفياً، فإيران متوغلة في مفاصل الدولة العراقية، والطائفية تنحر هذا البلد العريق في حين الكويت بخير ويمكنها أن تقود حملة ترميم العلاقات ومعالجة الجروح العميقة التي اصابت كبد العلاقات بين البلدين.
لعل خير بداية في بناء حديقة الكويت السياسية والإعلامية واحتضانها لانطلاقة علاقات صداقة وأخوة مع العراق لنودع الحديقة الخلفية للتحرير والحديقة الأمامية الانتقائية مع البعض العراقي ونحسن زرع حسن النوايا والجوار في حديقة الكويت والعراق الشقيق.
*إعلامي كويتي