في خضم الحرب المستعرة في غزة والتي تلقي بظلالها الداکنة على المنطقة عموماً وعلى النظام الايراني خصوصاً، فإنَّ الأمر الذي صار يسير بإتجاه کونه مسلماً به ولا مناص منه، هو أنَّ النظام الايراني قد انزلق في هاوية الحرب هذه شاء أم أبى، وصار طرفاً فيها، إذ لم يعد بوسعه ممارسة المزيد من الکذب والتمويه بخصوص عدم علاقته بما قام ويقوم به وکلاؤه في المنطقة من نشاطات وتحرکات ذات صلة بالحرب في غزة منذ اندلاعها ولحد الآن.
لئن ساد تصور بين أقطاب النظام الإيراني وبين الخبراء التابعين له، بالتفاٶل المفرط بهذه الحرب ومن أنها ستصبح عاملاً فعالاً من حيث إنقاذ النظام من أزمته، وخصوصاً أن رهان الولي الفقيه المفرط على ابراهيم رئيسي وحکومته الفاشلة، قد ظهر واضحاً بأنه رهان خائب، وليس هناك من أي أمل لتغييره بل وحتى يمکن انتظار الأسوء والأسوء، فإنَّ التصور الحالي السائد في النظام يغلب عليه التشاٶم والکآبة، ولا ريب في أنَّ ذلك له ما يبرره، إذ أنَّ أوضاع النظام لا تبعث على الأمل في الداخل والخارج على حد سواء.
أهم مسألة داخلية تثير ليس القلق بل وحتى الفزع لدى النظام، هو أنَّ الولي الفقيه الذي يتقدم به السن ويعاني المرض يضيق الخناق عليه وقد يتوفى في أي لحظة، وليس ثمة حتى الآن أيّ مرشح محدد يمکن اعتباره بمثابة خليفة له، ولئن تم طرح اسم ابنه مجتبى وکذلك رئيسي کخليفتين محتملين له، ولکن يظهر واضحاً أنَّ أياَ منهما ليس في مستوى المنصب، إذ أنَّ مجتبى، الذي خسر والده هيبته کولي فقيه، ما الذي سيتمکن منه لو خلفه، خصوصاً إن الشعب الإيراني ينظر إلى الفساد والظلم الحاصل ويرى أن المسبب به خامنئي خصوصاً والدائرة المحيطة به عموماً.
أمَّا رئيسي، فيکفي ماضيه الدموي الأسود من جانب، وفشله الذريع في تحقيق أي إنجازات منذ أن تم تنصيبه رئيساً، لا سيما أنَّ عهده شهد اندلاع أقوى انتفاضة شعبية بوجهه وبوجه النظام، ولذلك، فإن مجرد جعله خليفة لخامنئي يعني أنَّ النظام قد وقع ورقة إسقاطه بيده.
إقرأ أيضاً: طوفان الأقصى أم طوفان سليماني؟
عند طرح قيادة جماعية من رجال الدين التابعين للنظام لکي يقودوا البلاد في منصب الولي الفقيه، فإن ذلك سيقلل من شأن هذا المنصب ويجعله أضعف من السابق، وحتى من دون هيبة. وفي ضوء ذلك، لا يبقى أمام النظام من خيار سوى أن يلجأ حرسه، الذي يهيمن على النظام أکثر من غيره ويعتبر العمود الفقري له، إلى الإمساك بزمام الأمور بيده، فارضاً دکتاتورية لا مناص منها أبداً. عندئذ، فإنَّ عمليات الانتخاب وما يماثلها من المظاهر التي يسعى النظام من خلالها إلى الزعم أنه يتيح مساحة للحرية وليس دکتاتورياً، تصبح مجرد مسرحيات هابطة معروفة تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً!
يكفي أن ننظر إلى التصفية غير المسبوقة والواسعة النطاق للمرشحين لمجلس الخبراء والبرلمان المُفضل لخامنئي لجعل هذا الادعاء أكثر وضوحًا.
تنحية أشخاص مثل حسن روحاني، الذي كان دائمًا في أعلى المناصب الحكومية منذ 44 عامًا، أو محمود علوي، الذي كان وزيرًا للمخابرات في النظام لمدة 8 سنوات، والذي تم تعيينه في هذا المنصب بموافقة خامنئي، أو على وجه التحديد تنحية المرشح مصطفى بورمحمدي، أفضل دليل إيجابي على أنَّ خامنئي في طريق مسدود لخليفته ويريد أن يوافقه 100 بالمئة المرشحون لمجلس الخبراء لمن يخلفه بصفته "الزعيم" و"الولي الفقيه" للمستقبل.
إقرأ أيضاً: ماذا ينتظر المجتمع الدولي بعد اعترافات الحرس ومحاكمة نوري؟
وجَدير بالذكر بأن بورمحمدي بجانب رئيسي في السجل الدموي ضد معارضي النظام، وخصوصاً مجاهدي خلق في مجزرة السجناء السياسيين في صيف عام 1988 في "لجنة الموت".
لكن الحقيقة في الوضع الحالي الذي تحكمه إيران أكثر مرارة في حلق خامنئي، والأرض ليست مهيأة بما يكفي ليتمكن من زرع ما يريد من بذور في هذه الأرض. وسيكشف عن هذه الحقيقة في المستقبل القريب. لأن رغبة الشعب الإيراني هي الإطاحة بمجمل الفاشية الدينية الحاكمة، سواء كان خامنئي أو ابنه مجتبى أو أي شخص آخر ينتمي إلى هذا النظام وشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في الجرائم والفساد والمجازر والقمع.