: آخر تحديث

العراق: قصف أميركي والخطر يتفاقم!

25
30
20

استأنفت أميركا العمل بتوجيه ضربات جوية عنيفة في ثلاث مناطق استهدفت مقرات الفصائل المسلحة العراقية وبعض المنشآت التابعة لها فجر الأربعاء، وقبل يوم واحد فقط، كانت أميركا قد وجهت عقوبات إلى العراق على المستويين السياسي والاقتصادي، بهدف محاصرة نقاط الارتكاز الأمنية والمالية الداعمة لإيران والحرس الثوري الإيراني، بحسب فحوى القرار الأخير الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية الذي استهدف شركة طيران (فلاي بغداد وثلاثة من قادة الفصائل). وبهذه الإجراءات الأميركية، يشتد الحرج على حكومة محمد شياع السوداني وأحزاب الإطار التنسيقي الحاكمة، كونها غير قادرة على لجم جماح الميليشيات والفصائل التي تعمل لخدمة إيران، وقد انتقلت لتكريس وسائط النقل الجوي المدني لنقل الأسلحة والأموال المهربة!

واقع الحال صار يؤكد حقيقة أنَّ قرار الفصائل العراقية المنخرطة بالحرب ضد التواجد الأميركي تنأى بقراراتها عن موقف الحكومة العراقية، إن لم نقل يتعارض بشكل حاد مع موقف الحكومة، بالرغم من أنَّ حكومة السوداني تحاول أن تكون توفيقية، وأحياناً غير معنية بشأن المواقف المتطرفة، لأنها، أي الحكومة، لديها مهام بنائية ومعالجات إدارية ومكافحة تراكمات فساد متغول منذ عشرين سنة، وكذلك أحزاب الإطار التنسيقي التي تمثل الكتلة السياسية الشيعية هي الأخرى غير قادرة على التأثير الفعلي على قرارات فصائل المقاومة الشيعية، بالرغم من أنها تتآصر مع طهران سياسياً وعقائدياً. سبب ذلك أنَّ مرجعية الفصائل السياسية والعقائدية خارج العراق، ما يجعل العديد من الأحزاب الشيعية وغير الشيعية تعمل وفق مبدأ التقية، أي إظهار مواقف للإعلام مغايرة لما تخفيه داخلياً.

تعتمد أميركا مبدأ القوة في علاقتها بالحلفاء والأصدقاء، بعد أن تستنفد لغة النصائح والتحذير الودي، وهي تستند للجملة الشهيرة المأثورة للرئيس الأميركي ثيودور روزفلت.

أخطأت إيران خطأً كبيراً عندما زجت بالعراق في معمعة الحرب ضد إسرائيل والتواجد الأميريكي، ووضعت العراق بحكومته وأحزابه "الولائية" في موضع لا يرضي أميركا. كان على إيران أن تبقي العراق كسياج أمني خارجي لدولتها، وأن تمد معه جسور علاقات إيجابية تشمل جميع الأطراف العراقية لا سيَّما الأكراد، وكذلك استثماره كوسادة اقتصادية يساعدها على وضعها المحاصر والقلق داخلياً، أو دعم مشاريعها الاستراتيجية التي يمكن من خلالها تقوية أذرعها في دول الشرق الأوسط، وجميعها تعاني أزمات اقتصادية إلى جانب أزمات أخرى عديدة.

إيران تسعى لإثبات قدرتها في توازن القوة أمام أميركا وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط، ومن هنا قامت بتحريك أذرعها في لبنان وسوريا واليمن والعراق، والبدء بتعرضات مسلحة تُحرج أميركا وحلفاءها كما يحدث في البحر الأحمر من قبل الحوثيين وكذلك في العراق وسوريا من قبل الفصائل المسلحة، لكن الضربات الأميركية - البريطانية التي يتلقاها الحوثيون في اليمن كانت تدميرية، كذلك القتل المستمر لقادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا كانت باهظة الثمن. والآن، وضع العراق على جدول العقوبات والضربات الإجهاضية وقتل قيادات الفصائل المسلحة يجعل العراق شريكاً في حرب لم يختارها.

ما لا تدركه إيران هي إنها غير قادرة على إدامة زخم القوة والاستمرار في دعم أذرعها أو مراكز قوتها الخارجية، لأنها مراكز تعاني هشاشة في تكوينها البنيوي ووجودها طارئ على مسرح السلطة والقوة، بل انها تشكلت بفعل دعم إيراني ما عاد قادراً على تعويض ما تخسره، لأنها تعاني (أي إيران) من حصارات متعددة وقلق أمني داخلي، وشح بالإيراد وغلق الممرات الدولية الآمنة، إضافة لعلاقاتها العدائية والحذرة مع العديد من الدول المجاورة لها.

الانسراح في اعتقاد إيران امتلاكها القوة لتصبح الإمبراطورية المتحكمة بالخليج والبحر المتوسط والبحر الأحمر أوحت بها هيمنتها السياسية على أربع عواصم عربية في لبنان وسوريا واليمن والعراق، لكنه في الحقيقة وهم وحلم يتلاشى عندما يبدأ حوار الأسلحة الحديثة الفتاكة ولغة الصواريخ المسيرة بالأقمار الصناعية، وما تخطط له أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وتجحفل أوروبي كبير استعداداً لحرب عالمية أو نصف عالمية!؟

إيران لم تستفد من الدرس العراقي القريب، صدام حسين هو الآخر كان يعتقد أن وجود نظامه مشروط بواقع التوازن الإقليمي، وعند إسقاط نظامه سوف تعم الفوضى، وكيف يدركُ وقتها أنَّ أميركا كانت ترسم لعالم شرق أوسطي تسود فيه "الفوضى الخلاقة"!؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف