السمنة تعني الحرمان. تحرم صاحبها من المتع الجميلة. في عام 2017، وصل وزني الى 125 كيلوغراماً، وقد تعلمت كلمة إنكليزية جديدة على قاموسي اللغوي الفقير، هي "أوبيز". استدار شكلي، وأصبحت أتنفس بصعوبة، وألهث طوال الوقت، وأتعب من الوقوف والمشي، وأميل إلى الكسل. حتى النوم بات متقطعاً وشحيحاً.
استسلمت للحال الذي وصلت إليه. تصالحت مع أزمتي. صرت آكل بلا حساب مقدار الدهون والنشويات والسكر. أشتري ملابسي من محال الحجم الكبير. لم تعد الملابس للاستمتاع والزينة. صارت لسد حاجة الحال البائس الذي أنا عليه. كأن السمنة أصبحت قدراً رضيت به. لم أعد أفكر كيف أتخلص منها، لئلا أقول إنني أحافظ عليها بممارستي الخاطئة.
لكن حدث ما لم يكن في الحسبان.
بداية عام 2018، التقيت سمو الأمير محمد بن سلمان. جئت من أجل أن أقدم لسموه عرضاً لخطة تطوير التلفزيون السعودي. دخلت إلى مكتبه، وسلمت عليه، وعلى نجله الأمير سلمان. وضعت جهاز الكمبيوتر المحمول أمامه على المكتب. وانتظرت أن يتفضل الأمير بالجلوس حتى أبدأ بتقديم العرض. لكنه طلب مني أن أقدم العرض وأنا جالس. أحرجني الطلب. كيف أجلس وولي العهد واقفاً. حاولت الاعتذار عن الجلوس، لكنه أصرّ. اخترت حلاً وسطاً، أكملت مهمتي بين القيام والجلوس. انتهى العرض. تحدث سموه عن رؤيته للإعلام السعودي في شكل عام، والتلفزيون على نحو خاص. نظر إليّ الأمير وسأل: "هل تريد مني شيئاً آخر يا داود؟". شكرته على كرمه. فقال الأمير، مبتسماً: ”أنا أريد شيئاً منك... أريدك أن تهتم بصحتك“. وطلب أحد مساعديه، وكلفه بمتابعة حالتي الصحية.
كنت ممتناً لاهتمامه الكريم. لكن حال الكسل والترهل السلوكي الذي أعيشه وسوس لي، فحدثت نفسي قائلاً: مشاغل الأمير سوف تجعله ينسى هذا الطلب، وأنا سوف أتدبر الأمر مع المسؤول الذي كلفه سموه بأمر صحتي. وقلت مسلياً نفسي: الأمور سوف تتدبر بستر ربي إن شاء الله!
بعد أقل من أسبوع، وجدت متابعة من مكتب سموه. وبدأت الخطة لإنقاص وزني.
أدركت أن السمنة نالت من دقة ملاحظتي. فالأمير محمد بن سلمان لا ينسى الأمور التي يطلبها، أو يكلف أحداً بها. لمست هذا وشاهدته خلال عملي في اللجان التي يشرف عليها الأمير شخصياً. وهو يهتم بأدق تفاصيل المشروعات والخطط التي تعرض عليه. وحين يطلب تعديلات أو يبدي ملاحظات، لا يفوت أي ملاحظة أمر بها سابقاً، فضلاً عن أنه لا يترك تحديد وقت إنجاز العمل للآخرين. هو من يدير الوقت، ويمسك بزمان دفة التنفيذ، وسرعته في آن. ولديه قوّة ملاحظة مكنته من تحديد ما ينبغي فعله وما يجب تأجيله أو تجنّبه. ولدى الأمير ذاكرة بصرية، تشعر وهو يبدي ملاحظاته، على عمل ما، أنه يقرأ من شاشة أمامه!
ويمتلك الأمير محمد بن سلمان مهارة نادرة في الاستماع، ولهذا تجد أنه يعرف، على وجه الدقة، ما يحتاجه من يعمل معه، ولهذا يسهل لهم الحصول على ما يحتاجه العمل من إمكانات، والأكيد أنَّه يعرف ما يريده شعبه.
ما جرى لي نموذج لما يجري في السعودية. تغيرت حالي، ونقص وزني 55 كيلوغراماً خلال أقل من سنتين. ولدت من جديد. استبدلت النشاط بالترهل والكسل. الروح الجديدة التي سرت في نفسي، بفضل الأمير محمد بن سلمان، هي التي أراها تسري في كل شرايين البلد وشبابها. لم تشهد المملكة في كل تاريخها هذا الاتقاد والحيوية والإصرار. وإذا كان الأسلوب هو الرجل، فإنَّ التنمية التي تشهدها السعودية اليوم هي محمد بن سلمان.