إسلام أباد: تواجه باكستان أزمة اقتصادية كبرى وسط انهيار لعملتها الوطنية وتسارع مطّرد للتضخّم وشحّ في موارد الطاقة، في حين يزور وفد من صندوق النقد الدولي إسلام أباد للبحث في ضخ سيولة تحتاج إليها البلاد بشدّة.
ومنذ أشهر يقاوم رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ضغوطاً يمارسها صندوق النقد الدولي لزيادة الضرائب وخفض الدعم، خشية ردود فعل غاضبة من شأنها أن تؤثر على الانتخابات المقرّرة في تشرين الأول/أكتوبر.
لكن في الأيام الأخيرة وبعدما بدأ شبح إفلاس البلاد يلوح في الأفق وفي ظل عدم إبداء أي من البلدان الصديقة نية لتقديم مساعدات مالية، بدأت إسلام أباد ترضخ للضغوط.
وبالفعل خفّفت الحكومة الضوابط التي تفرضها على سعر صرف الروبيه للجم أسعار صرف الدولار في السوق الموازية، في خطوة دفعت بقيمة العملة الوطنية إلى التراجع إلى أدنى مستوى. كذلك عمدت السلطات إلى رفع أسعار البنزين.
"بلغنا نهاية الطريق"
وقال الخبير الاقتصادي السابق في البنك الدولي عابد حسن في تصريح لوكالة فرانس برس "بلغنا نهاية الطريق" مشيرا إلى وجوب أن تضطّلع الحكومة بواجباتها تجاه الشعب "لتلبية هذه المطالب"، في إشارة إلى شروط صندوق النقد.
وشدّد الباحث في المعهد الباكستاني للاقتصاد التنموي ناصر إقبال على أن الوقت أصبح داهماً، محذّراً من أن الاقتصاد "شبه منهار" بسبب سوء الإدارة والاضطرابات السياسية.
ووصل وفد صندوق النقد الدولي الثلاثاء إلى باكستان التي تشهد حالا من الذعر.
فالمصرف المركزي للبلاد التي تحتل المرتبة الخامسة في قائمة الدول الأكبر من حيث التعداد السكاني، لا يختزن سوى 3,7 مليارات دولار، وهو رصيد يكفي لتغطية تكليف الاستيراد لثلاثة أسابيع فقط.
ولم تعد السلطات تصدر اعتمادات مستندية إلا للمواد الغذائية الأساسية والأدوية، ما تسبب بتكدس في ميناء كراتشي لآلاف من حاويات الشحن المليئة ببضائع لم تعد البلاد قادرة على تحمّل كلفتها.
تأثّر الصناعة
وتأثّرت الصناعة بشكل كبير من جراء توقّف الاستيراد وانهيار سعر صرف الروبيه. كذلك توقّفت مشاريع البناء العامة وأُغلقت مصانع النسيج بشكل جزئي، كما تباطأت الاستثمارات المحلية.
في وسط مدينة كراتشي، ينتظر الآلاف من العمال المياومين لا سيّما النجارون والدهّانون مع معدّاتهم من يكلّفهم عملا، لكن من دون جدوى.
متناولاً طبق برياني في كيس بلاستيكي قدّمه له أحد المارة قال عامل البناء ظافر إقبال البالغ 55 عاماً إن "أعداد المتسوّلين ازدادت وأعداد العمّال تراجعت".
وتابع "التضخّم مرتفع إلى حد لم يعد يكفينا ما نجنيه".
في محطة لتوزيع الوقود قالت أرملة مع ابنها إن وقودا ببضع مئات من الروبيه (75 سنتا) ثمينة للغاية لدراجتهما النارية، مشيرة إلى اقتصار وجباتهما اليومية على اثنتين.
وقالت أُلفت طالبة عدم كشف كامل هويتها إن "الكلفة مرتفعة للغاية ما يجبرنا على تناول الفطور في وقت متأخر والوجبة الثانية نحو السابعة مساء، ولا نتناول شيئا بين الوجبتين".
وتواجه باكستان صعوبات على جبهات عدة، فالبلاد تعاني من تداعيات فيضانات غير مسبوقة غمرت ثلث أراضيها الصيف الماضي، وتدهور للأوضاع الأمنية في المناطق المحاذية لأفغانستان.
الدين الخارجي
وتُغرق خدمة الدين الخارجي باكستان في دوامة لا نهاية لها.
والشهر الماضي كشف حاكم المصرف المركزي جميل أحمد أن البلاد مدينة بمبلغ 33 مليار دولار على شكل قروض ومدفوعات أجنبية أخرى قبل نهاية السنة المالية في حزيران/يونيو.
بفضل جهود دبلوماسية بذلتها تمكّنت البلاد من تمديد آجال سداد أربعة مليارات دولار، في حين لا تزال المفاوضات متواصلة بشأن 8,3 مليارات دولار.
في الأثناء، تواجه باكستان نقصاً حاداً في موارد الطاقة، في أزمة فاقمها ضعف البنى التحتية وسوء الإدارة، ما زاد من معاناة الشركات والمواطنين.
في الأسبوع الماضي شهدت باكستان انقطاعاً واسع النطاق للتيار الكهربائي استمر يوما بسبب عطل طرأ على الشبكة على أثر تدبير اتّخذ لخفض الكلفة.
في مؤتمر صحافي في إسلام أباد، قال وزير الدولة لشؤون الطاقة مصادق مالك إن البلاد ستبدأ استيراد النفط الروسي في نيسان/أبريل، على أن تسدد ثمنه بعملات "دول صديقة" بموجب اتفاق يصب في مصلحة الطرفين.
فوضى سياسية عارمة
والوضع الاقتصادي المزري يعكس فوضى سياسية عارمة تشهدها البلاد، إذ يمارس رئيس الوزراء السابق عمران خان ضغوطا متزايدة على الائتلاف الحاكم في إطار حملة يقودها من أجل تنظيم انتخابات مبكرة سعيا منه للاستفادة من تزايد شعبيته.
أطيح خان العام الماضي بعد حجب الثقة عنه، وكان قد أجرى مفاوضات مع صندوق النقد الدولي في العام 2019 على حزمة قروض بمليارات الدولارات.
لكن خان نكث بوعوده تقليص الدعم والتدخل في الأسواق في خطوة خفّفت من وطأة أزمة المعيشة لكنّها جمّدت البرنامج.
يُعد هذا التخبّط أمراً اعتيادياً في باكستان حيث يعيش غالبية السكان في الفقر، ومدى عقود أبرمت عشرات الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي ثم ما لبثت أن توقّفت.
وجاء في تغريدة أطلقها المحلل السياسي مايكل كوغلمان، مدير معهد جنوب آسيا في مركز ويلسون في واشنطن "حتى إذا تجنّبت باكستان التخلف عن السداد، ستتواصل العوامل الهيكلية الأساسية التي فاقمها ضعف القيادة والصدمات العالمية الخارجية".
وتابع "ما لم تطبَّق إصلاحات صارمة وواسعة النطاق، ستكون الأزمة المقبلة قاب قوسين أو أدنى".