بعد ثلاثة أيام من اعتماد المغرب نظام صرف مرن للعملة المحلية، حلّ مساء اليوم الأربعاء، وزير الاقتصاد المالية محمد بوسعيد، ومحافظ البنك المركزي عبد اللطيف الجواهري، ضيفين على البرلمان المغربي لتقديم توضيحات حول إصلاح نظام الصرف.
إيلاف من الرباط: قال وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، في الاجتماع المشترك الذي نظمته لجنتا المالية والتنمية الاقتصادية بغرفتي البرلمان المغربي، إن الانتقال نحو نظام سعر صرف مرن للدرهم، والذي دخل حيز التنفيذ أول أمس الاثنين، "لن يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين"، وذلك في رسالة طمأنة بعثها المسؤول الحكومي إلى المغاربة من خلال نواب الأمة.
تقوية مناعة الاقتصاد
أضاف بوسعيد أن القرار يمثل "خطوة أولى تمهيدًا للانتقال التدريجي نحو نظام صرف أكثر مرونة"، مؤكدًا أن هذا القرار يهدف بالأساس إلى "تقوية مناعة الاقتصاد الوطني ضد الصدمات الخارجية، ودعم تنافسيته ومواكبة الإصلاحات الهيكلية التي عرفتها البلاد".
وزاد وزير الاقتصاد والمالية المغربي موضحًا بنبرة واثقة أن "الظروف الاقتصادية الحالية ملائمة للانتقال لنظام الصرف المرن، بالنظر إلى صلابة الوضع المالي والأسس الماكرو- اقتصادية للبلاد".
أفاد أن نسبة التذبذب التي اعتمدتها الحكومة في قرارها "تبقى ضعيفة مقارنة بمستوى التقلبات الحالية"، مسجلًا في الآن عينه أن قيمة الدرهم مقابل الدولار خلال سنة 2017 "حققت ارتفاعًا بقيمة 6.7 بالمائة، في حين انخفضت بـ5.1 بالمائة مقابل اليورو".
وبدد بوسعيد المخاوف التي تساور جل المغاربة حول إمكانية ارتفاع أسعار المواد المستوردة بعد قرار تعويم الدرهم، حيث قال: "رغم التقلبات لن يؤثر الإصلاح في بدايته بشكل ملموس على التضخم، وبالتالي على القدرة الشرائية للمواطنين"، مشددًا على أنه بعد ثلاثة أيام من دخوله حيز التنفيذ " لم نر في السوق المالية ولا في سعر الدرهم مخاطر كبيرة، حيث استقرت قيمته داخل نطاق التذبذب أي 0.3 بالمائة".
قرار سيادي
من جهته، بدا عبد اللطيف الجواهري محافظ البنك المركزي المغربي غاضبًا من التقارير التي تحدثت عن أن تبني نظام سعر صرف مرن للعملة الوطنية تبناه المغرب مكرهًا، وأملته عليه المؤسسات الدولية، حيث أعرب عن رفضه القاطع لهذه الرواية.
وقال الجواهري أمام البرلمانيين إن إصلاح نظام الصرف "قرار سيادي وإرادي حر، لم تفرضه أي مؤسسة مالية دولية، ولم يتخذ تحت ضغط أي أزمة صرف، كما حدث في بلدان عدة كانت مجبرة على الانتقال مباشرة إلى التعويم، مع تنفيذ برنامج إصلاحي مع صندوق النقد الدولي يفرض شروطًا صارمة تهمّ على الخصوص إصلاح وضعية المالية العمومية وتحرير الاقتصاد".
وأضاف محافظ المركزي المغربي أن القرار الذي اتخذته الحكومة "يقضي بزيادة نطاق تقلب الدرهم مع الإبقاء على سلة العملات"، مؤكدًا أن بلاده لم توقع "أي اتفاقية مشروطة مع المؤسسات الدولية".
وأفاد الجواهري في عرض مفصل قدمه أمام النواب والمستشارين بأن المغرب "أخذ الوقت اللازم لإنجاز الدراسات الضرورية والإطلاع على التجارب المرجعية"، مبرزًا أن القرار جرى الإعداد له "بالتنسيق بين الحكومة ممثلة في وزارة الاقتصاد والمالية وبنك المغرب"، وأضاف "لم نشرع في التحضير لاعتماد نظام الصرف الجديد إلا بعدما تأكدنا من استيفاء كل المتطلبات".
تحرير سعر صرف ليس هو التعويم
واستغرب محافظ البنك المركزي المغربي حديث البعض عن التعويم، معتبرًا أن ذلك مجانب للصواب، وقال: "تتحدثون عن التعويم وكأننا شرعنا في الإصلاح قبل 15 سنة"، ومضى مطمئنًا النواب: "صندوق النقد الدولي قال لنا أنتم جاهزون للبدء في الإصلاح منذ بداية سنة 2017، لكننا رفضنا ذلك، واخترنا أن نهيء أنفسنا جيدًا".
عبد اللطيف الجواهري محافظ البنك المركزي المغربي |
وأكد الجواهري على أن سعر تداول الدرهم في سوق الصرف "ظل في نطاق يتراوح بين -0.3 بالمائة و+0.3 بالمائة على الرغم من توسيع نطاق التقلب إلى -2.5 بالمائة و+2.5 بالمائة"، كما تعهد بمتابعة تنفيذ إصلاح نظام الصرف عن كثب، لاسيما مع البنوك"، مبينًا أن التواصل سيبقى منتظمًا مع البنوك لـ"تتبع تنفيذ الإصلاح".
وحذر الجواهري من تعليق أي تقلبات في الأسعار ارتباطًا بالسوق الدولية بقرار تحرير سعر صرف الدرهم، معتبرًا أن السوق العالمية تتأثر بالقرارات السياسية الكبرى على مستوى العالم، حيث قال: "السوق العالمية تتأثر بما يدور في العالم، فمثلًا استقلال إقليم كتالونيا في أوروبا و"بريكسيت"، وترمب وقضية النووي، كلها عوامل تؤثر، فلا يمكن أن تكون قرارات مؤثرة في هذا المجال ونحمل تحرير سعر صرف الدرهم تبعاته".
السيناريوهات المتوقعة
وشدد محافظ البنك المركزي المغرب على أن المعطيات المتوافرة لديه تؤكد "عدم وجود تأثير سلبي للتعويم التدريجي للدرهم على الاقتصاد المغربي والقدرة الشرائية للمواطن"، وأضاف أن التوقعات "حتى لو افترضنا انخفاض الدرهم بالنسبة القصوى، أي 2.5 بالمائة، فإن تأثير هذا الإصلاح على النمو في سنة 2018، سيكون إيجابيًا، وسيصل إلى 0.2+ بالمائة".
بخصوص ارتفاع نسبة التضخم، سجل الجواهري بأن التأثير الأقصى يقدر بـ"زيادة بنسبة 0.4 بالمائة"، حيث "يشير السيناريو المحتمل إلى بلوغ نسبة التضخم في سنة 2018، معدل 2 بالمائة"، حسب المتحدث نفسه، الذي أكد أن تأثير الإصلاح المعتمد على القدرة الشرائية للمواطنين "متحكم فيه".
وعن أسعار الوقود التي يترقب المغاربة بحذر التقلبات التي يمكن أن تطال أسعاره، سجل محافظ المركزي المغربي أن انخفاض قيمة الدرهم أمام الدولار في حالة بلوغه النسبة القصوى المحددة في 2.5 بالمائة، من شأنه أن يؤدي إلى "زيادة في أسعار الغازوال بنسبة 1.6 بالمائة".
وزاد موضحًا "مثلًا إذا كان سعر الغازوال هو 9.6 درهم للتر، فإن ثمنه سيرتفع بمقدار 0.15 درهم للتر، ليصل إلى 9.75 درهمًا للتر"، (حوالى دولار واحد).