بيروت: رغم تراجع عدد دور النشر المشاركة في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الذي يُفتتح هذا الأسبوع، بمعدل النصف تقريباً عما كان عليه قبل العام 2019، يرى المنظمون في تمسكهم بإقامة النسخة الرابعة والستين في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان "إنجازاً ومغامرة"، مشددين على أن الحدث يشكّل أحد "معالم لبنان" الثقافية.
ويُفتتح المعرض الذي ينظمه كل من"النادي الثقافي العربي" و"نقابة اتحاد الناشرين" وتُشارك فيه أكثر من 124 دار نشر، في 3 كانون الاول/ديسمبر، ويستمر الى الحادي عشر منه في مركز للمعارض عند واجهة بيروت البحرية دمره انفجار ضخم شهده المرفأ القريب في 4 آب/أغسطس 2020 وأسفر عن أكثر من 200 قتيل وستة آلاف جريح وتسبّب بأضرار كبيرة في أحياء عدة من العاصمة اللبنانية.
وحال الانفجار دون إقامة المعرض سنتذاك، بعدما غاب أيضاً عام 2019 بسبب التظاهرات الاحتجاجية الواسعة في وسط العاصمة ومناطق لبنانية أخرى. كذلك تعذرت إقامة الحدث عام 2021 بسبب أعمال الترميم، لكنّ الدورة الثالثة والستين أقيمت للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات في آذار/مارس 2022، فور انتهاء الأشغال.
ورأت رئيسة النادي الثقافي العربي سلوى السنيورة بعاصيري أن ما يميز النسخة الحالية هو الإصرار على المضي في إقامتها في ظل أزمة اقتصادية حادة أدت إلى انهيار العملة الوطنية واتساع دائرة الفقر والبطالة، ما شكّل إلى جانب جائحة كوفيد-19 وتبعات انفجار مرفأ بيروت عوامل مهمة في تراجع حركة النشر في لبنان.
إلا أنها لاحظت في تصريح لوكالة فرانس برس أن "وجود إصدارات عدة حديثة يعني أن حركة النشر لم تتوقف وكذلك حركة الكتابة"، مؤكدة أن "الفكر اللبناني متوقد ولم يتوقف ايضاً".
مشاركة عربية "خجولة"
وانخفض عدد دور النشر المشاركة في المعرض من أكثر من 240 من لبنان والبلدان العربية والعالم، إلى تقريباً 124هذه السنة، بعدما كان بلغ نحو 79 في الدورة السابقة في آذار/مارس الفائت.
وتستمر المشاركة العربية "خجولة"، بحسب بعاصيري، في النسخة الجديدة من المعرض التي تضم دور نشر من مصر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.
وشرحت أن تقلّص مساحة القاعة التي تحتضن المعرض من عشرة آلاف متر مربع قبل 2019، إلى 2200 متر مربع حالياً جعل "المطلوب أكثر من المتاح".
وأضافت "ثمة دور نشر اعتادت أن تأخذ مساحات واسعة، لكننا اضطررنا للأسف إلى مراعاة الجميع بغض النظر عن حجم كل دار، وحددنا المساحات المطلوبة، وأعطينا فرصة لدُور ناشئة تُعتبر حديثة مقارنة مع دور نشر لها عراقة تاريخية".
"تخطي كل التعقيدات"
وفاجأت النسخة السابقة من المعرض المنظمين الذين كانوا يتخوفون من انعدام حركة البيع نظراً إلى تراجع القدرة الشرائية، ولكن تبين أن دور النشر استطاعت منذ اليوم الأول أن تستوفي التكاليف التي تحملتها للمشاركة في المعرض، بحسب بعاصيري التي لاحظت أن اللبناني لا يزال يضع شراء الكتب بين أولوياته ويسعى إلى تأمين ثمنها بفضل دعم المغتربين لأفراد عائلاتهم المقيمين في لبنان.
وإذ أقرّت رئيسة النادي المنظّم بأن "التردي الذي يشهده لبنان ترك بلا شك أثراً"، شددت على أن "اللبناني رائد في ابتداع الحلول ويستطيع ان يلتف على المشاكل".
ويصرّ المنظّمون بدورهم على "تخطي كل التعقيدات" لإقامة المعرض. وقالت بعاصيري "مهما كانت التضحيات، ومهما كانت الظروف قاسية، نحن مستمرون في هذا الحدث الثقافي الذي هو أحد معالم لبنان".
وأضافت "في هذا الظرف القاسي والصعوبات الجمة على كل الصعد والمستويات، يصبح القيام بأي عمل في الحقيقة جرأة وإنجازاً ومغامرة".
ويضم المعرض نحو 24 نشاطاً تتوزع بين مناقشة كتب لإصدارات حديثة وندوات تعنى بالتراث "وتكريم لمجموعة من الأدباء الذين رحلوا وكانت لهم اياد بيضاء على الثقافة في لبنان"، على ما قالت بعاصيري، اسوة بجبور الدويهي ووجيه فانوس وميشال جحا ويوسف سماح ادريس وسواهم.
وتقام ندوات تتناول اللغة العربية والقضايا الراهنة في لبنان كالمسألة الاقتصادية وخطط التعافي وتقييم التعديلات التي أدخلت على الدستور بعد انتهاء الحرب اللبنانية في مطلع تسعينات القرن العشرين.
ضجة سياسية
وشهدت النسخة الأخيرة من المعرض ضجة سياسية، إذ أثار عرض ملصق للقائد السابق لـ"فيلق القدس" الإيراني اللواء قاسم سليماني في جناح إحدى دور النشر جدلاً واسعاً.
واعتبرت بعاصيري أن ما حدث في الدورة السابقة في هذا الشأن "لم يكن مقبولاً"، مؤكدة أن "الكل سيلتزم طبيعياً شروط الاشتراك، وهذا معرض كتب فقط ليس لملصقات ومواقف سياسية".
وشددت على "حياد المعرض" الذي يشكّل "فضاءً ثقافياً رحباً للجميع" و"يجب الاّ يتصف بلون معين"، مشيرة إلى أن الإدارة تمنت على كل دور النشر "التقيد باحترام المكان والثقافة والرأي الاخر".