ألفت إيزابيل بوكانان كتابها عن أحكام الإعدام في باكستان ليكون سيرةً لتوغلها مع محام شاب باكستاني عميقًا في عالم ثمانية آلاف باكستاني محكوم عليهم بالإعدام ينتظرون لحظة التنفيذ. كتاب أول من نوعه، فيه حسّ عال من التنبه إلى التفصيلات الدقيقة.
إبتسام الحلبي من بيروت: باكستان من أشدّ الأماكن ظلمة على وجه الأرض، والظروف القاسية التي يعيشها المدانون بالإعدام هي أقل ويلاته حدة.
من ظلام السجن في باكستان إلى حبل المشنقة |
ثمانية رجال في زنزانة مساحتها 120 قدمًا مربعًا، يتناولون العصيدة القذرة يوميًا، ويتناقلون عدوى الأمراض باستمرار. تبدأ أحداث كتاب "محاكمات: عن أحكام الإعدام في باكستان" Trials: On Death Row in Pakistan (منشورات جوناثان كيب. 264 صفحة؛ 16.99 جنيهًا إسترلينيًا) في عام 2013، عندما كان 8000 شخص تقريبًا ينتظرون لحظة تنفيذ عقوبة الإعدام. وبحسب تقدير وزير سابق فثلثاهم متهم زورًا. تدور أحداث الكتاب حول محامية أجنبية تغرق في دوامات الظلم هذه. والمفاجأة هي الفضيلة المزهرة التي تجدها في وسطها.
التعذيب المستدام
بطريقة ما، أنجرّت إيزابيل بوكانان، المشاركة في تأليف الكتاب، إلى هذه الفوضى. فبعد أشهر قليلة من نيلها شهادة في القانون في اسكتلندا، قررت تعلم الأردو، والانتقال إلى لاهور، لتدفن نفسها تحت جبل من الملفات في غرفة خانقة. وهي بالكاد تفسّر سبب قرارها هذا، باستثناء ملاحظة خجولة عن عشقها الحلويات الباكستانية.
أول نمط ظاهر كان طريقة استخدام النظام الجزائي الباكستاني ضد المغتربين، الذين يربون في بريطانيا، ثم يعودون إلى وطنهم الأم، إذ كان الجيران الحسودون يحرّضون الشرطة بسهولة لإلقاء القبض عليهم.
تولّت بوكانان الدفاع عن الضحايا وتقديم المساعدة القانونية إليهم. أما مرشدتها، سارة بلال، فهي حالة أخرى لمناضلة غير متحيزة، تعرّف عنها الكاتبة بسحر عظيم ("هي من المحامين الباكستانيين الأقل نجاحًا... العاطلين من العمل، والمكتئبين"، لكنّها فاتنة). وفي طريقها، جمعت بوكانان كتيبًا تناولت صفحاته "نظامًا مجنونًا".
معًا، دخلت المحاميتان عالم الانحراف، الذي تبدأ فيه الشرطة تحقيقاتها روتينيًا، بتعذيب المشتبه فيهم، ليقدموا اعترافات غير موثوق بها. ومن المعروف أن المحاكم الباكستانية تستبعد التصريحات التي يعترف بها المتّهم في أثناء حجزه في مركز الشرطة، وتعتبرها دليلًا غير مقبولًا، إلا في حال تقديم إثبات عليها. لذلك يستمرّ التعذيب، بالتنسيق مع الشرطة التي تزرع الأدلة للتأكيد على صحة هذه الاعترافات القسرية.
ضد التجديف
في حالة واحدة مثلًا، حكم على الرجل نفسه بالإعدام مرتين: شنقًا ورميًا بالرصاص. لكنّ الأحكام الأسوأ تنشأ من هجين غير مقدس من القواعد البريطانية العتيقة والشريعة الإسلامية: إنه القانون الموجّه ضد التجديف. فثمة تأويل للشريعة الإسلامية يطالب بالعقوبة القصوى، بينما تقوم الإجراءات الجنائية في الحقبة الاستعمارية بإلغاء فرص الإسلام التقليدية التي تفسح مجالًا للاعتذار والرحمة.
حُكم على أكثر من 1200 شخص بالإعدام بتهمة التجديف، لكن لم يتم تنفيذ أي منها. وتعزو بوكانان ذاك الوضع الغريب إلى "الاعتراض الصامت، والسري" من جانب المحاكم العليا في باكستان، التي تفعل ما في وسعها لتقليل ضرر القانون.
بدلًا من ذلك، يتم روتينيًا قتل المدانين خارج نظام المحاكم، ويواجه حُماتهم المصير نفسه. وعلى الرغم من ذلك، ما زال الكثيرون يتحدّون تهديدات القتل بشجاعة. يتجسّد نوع آخر من الشجاعة في الرقة، كما هي الحال عندما يكرّس سجين بريء نفسه لتعزية الرجال المذعورين، وهم في طريقهم إلى حبل المشنقة. وتهدي السيدة بوكانان كتابها إلى هذا السجين.
باغرام
في فصل أخير هو غاية في الروعة، تشير بوكانان إلى أن باكستان ليست الوحيدة التي تُخضع الباكستانيين لمعاملة غير إنسانية.
يخوض فريق بلال المتشرذم جدالًا حول إعادة المدنيين الباكستانيين، الذين جرّتهم القوات الخاصة الأميركية عبر الحدود، إلى أفغانستان، وخزّنتهم مثل اللحوم في أحد السجون الأميركية قرب باغرام، حيث يحمل السجناء أرقامًا تسلسلية، وتُسرق منهم سنوات عمرهم لمجرد تخمين بأنّهم ربما يكونون إرهابيين.
في نهاية المطاف، وافقت المحاكم في باكستان على الاعتراف بسجناء باغرام بوصفهم بشرًا. بالطبع، أوفت بوكانان تلك المحاكم حقها: "كان النظام القانوني الباكستاني هو الذي دافع عن الحقوق الأساسية، بينما أنكرتها دولتان ديمقراطيتان عظميين في الغرب [بريطانيا وأميركا]".
وفي انتصار على المظاهر، رفض بعض الباكستانيين الخضوع لضغط الاستغناء عن جماليات العدالة.