: آخر تحديث

الدبلوماسية السعودية والإجماع العالمي... دفع فلسطين نحو العضوية الكاملة

1
1
2

في لحظة بدا فيها نبض العالم متسارعًا، صدحت قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة بصدى 143 صوتًا مؤيدًا، في مقابل 9 أصوات معارضة، ليشهد التاريخ فصلاً جديدًا في حكاية فلسطين الأزلية. لم يكن هذا التصويت مجرد إجراء روتيني، بل كان زلزالًا دبلوماسيًا أعاد رسم ملامح المشهد الدولي، وبعث الحياة في أروقة السياسة الصامتة، مؤكدًا أن قضية فلسطين لم تعد حبيسة الملفات القديمة، بل أصبحت صرخة مدوية تتردد في ضمير الإنسانية، خصوصًا في ظل الجراح الغائرة التي تنزف في غزة.

هذا الانتصار الدبلوماسي، الذي وصفه المندوب الفلسطيني بأنه "تاريخي"، لم يأتِ من فراغ، بل هو تتويج لجهود مضنية وتعبير عن تزايد "الوعي" الأخلاقي العالمي. وقد لعبت الجهود الدبلوماسية الحثيثة للمملكة العربية السعودية وحضورها القوي في المحافل الدولية دورًا محوريًا في حشد هذا الدعم الكبير، مساهمة بشكل فعال في حصد هذه الأصوات المؤيدة للحق الفلسطيني. ففي الفترة الأخيرة، تسارعت الخطى الأوروبية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، معلنة إسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا عزمها على الانضمام إلى قافلة الـ 144 دولة التي رأت في فلسطين كيانًا شرعيًا يستحق الوجود. إنها رسالة واضحة لا لبس فيها، العالم يتغير، والمشهد الدبلوماسي لم يعد يحتمل الجمود أمام قضية بهذا الحجم. الرئيس الفلسطيني وكبار الدبلوماسيين العرب والإسلاميين هللوا لهذا القرار، معتبرين إياه خطوة حاسمة نحو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، ومؤكدين أن العدالة لا يمكن أن تُقام إلا بانتزاع الحقوق.

لكن في المقابل، وعلى الجانب الآخر من الطاولة الدبلوماسية، كان الغضب الإسرائيلي يشتعل كالبركان، وتصدّرت عناوين الصحف العبرية وصفًا للقرار بأنه "خطأ تاريخي" و"جائزة للإرهاب"، كما نشرت "جيروزاليم بوست". فبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، لم يتردد في وصف التصويت بنفس التعبير، في محاولة منه لتشويه الشرعية الدولية والضغط على الرأي العام.

وإمعانًا في إظهار الغضب، يعيد مشهد سابق في تاريخ الأمم المتحدة نفسه إلى الأذهان، حينما أقدم المندوب الإسرائيلي، جلعاد إردان، على تمزيق ميثاق الأمم المتحدة على المنصة في عام 2021، في لقطة تعكس حجم الرفض الإسرائيلي القاطع لأي توجه يعترف بالدولة الفلسطينية خارج إطار رؤيته.

الولايات المتحدة، حليف إسرائيل الأقوى، أيدت هذا الرفض، وقد نقلت صحف كـ "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال" موقف الإدارة الأميركية على لسان نائب مندوبتها روبرت وود، الذي أكد على أن الدولة الفلسطينية يجب أن تنشأ من رحم المفاوضات المباشرة لا من رحم القرارات الأممية، في موقف بدا وكأنه يدافع عن عملية سلام تبدو معطلة منذ زمن بعيد. هذا الموقف المشترك، بالرغم من قوته الظاهرية، يطرح تساؤلاً حول مدى عزلتهما الدبلوماسية المتزايدة أمام هذا الإجماع العالمي، حتى بين بعض حلفائهم التقليديين، في وقت تتزايد فيه التغطية الإعلامية الغربية، من "بي بي سي" إلى "الغارديان"، للبعد الأخلاقي والإنساني للقضية.

وسط هذه التجاذبات، يعود حل الدولتين، المبدأ الراسخ في القانون الدولي، ليتصدر الواجهة بقوة لم يشهدها منذ سنوات. هذا التصويت لم يمنح فلسطين العضوية الكاملة بعد، لكنه وضعها على عتبتها، موصيًا مجلس الأمن بإعادة النظر في طلبها. إنها دعوة صريحة ومباشرة للمجتمع الدولي، وخاصة القوى الكبرى التي تملك حق النقض، بأن تتحمل مسؤولياتها وتترجم هذه الإرادة العالمية إلى واقع ملموس. روسيا والصين، من جهتهما، أكدتا بقوة دعمهما للقرار، معتبرتين إياه خطوة ضرورية. صحيح أن التحديات لا تزال قائمة، من استمرار الاحتلال وتوسع الاستيطان، إلى تعثر المفاوضات، لكن صوت الأغلبية العالمية أصبح أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، لا سلام مستدام في الشرق الأوسط دون دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.

يبقى السؤال معلقًا في الأفق: هل يمثل هذا التصويت انتصارًا رمزيًا فحسب، أم أنه نقطة تحول حقيقية ستعيد تشكيل مستقبل الصراع؟ مهما كانت الصعاب، فإن هذا الزخم الدبلوماسي، المدعوم بأصوات 143 دولة، يرسل رسالة لا يمكن تجاهلها، الإرادة العالمية تتجه نحو الاعتراف بالحقوق المشروعة، والضغط يتزايد على القوى الكبرى لترجمة هذه الإرادة إلى واقع. لعل الأمم المتحدة، بهذا التصويت، قد أعادت للتو الحياة لحلم طال أمده، والكرة الآن في ملعب العالم بأسره لترجمة هذا الحلم إلى حقيقة، ولتجعل من العدالة والسلام نهاية حقيقية لقصة تنتظر الفصل الأخير.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.