أحياناً في الحياة تتوقف الأفكار، أو لا تجد زاوية حقيقية تنطلق منها فكرة حقيقية تهم الناس لظروف كثيرة لا يمكن حصرها أو تصورها، لكن المعاناة في كثير من الأحيان تصنع الفكرة، أو تصنع الصورة التي تجذب تعاطف الناس. البشر بطبيعتهم لا تخلو عاطفتهم من التأثر بمعاناة خاصة أو حتى معاناة عامة. المشهد الذي يرونه إن كان يحمل ما يحزنهم فهم يتعاطفون معه، وإن كان مشهداً يسعدهم فهم أيضاً يجدون من خلاله متنفساً يجعل لحياتهم شيئاً من الأمل والتفاؤل.
أما لماذا أكتب هذه المقدمة، فالأمر لا يتعلق بما يسعد أحد حين تأتي مشاهد الجوع والحرب والتهجير والموت من غزة. تعاطفنا مع ما يحدث للفلسطينيين من قبل العدو الإسرائيلي ليس مرتبطاً فقط بالعروبة، بل لأن الإنسان وُجد في هذه الحياة وهو يحمل الكم الكافي من الإنسانية. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتجرد الإنسان من إنسانيته كما يفعل الكيان الصهيوني مع الفلسطينيين. هذا التعاطف العالمي مع الفلسطينيين، وحجم الأضرار التي تلحق بهم بشكل يومي، يعني أن العالم يحمل من الإنسانية ما يجعله يغضب ويحاول أن يقدم شيئاً لهذا الشعب المظلوم والمقهور والمغلوب على أمره.
على مستوى قادة الدول لا توجد تقريباً دولة على هذه الأرض ترى أن إسرائيل محقة، وإن وُجدت، فهي دولة خارج الإطار الإنساني، مثلها مثل الكيان الصهيوني المعتدي. لا أحد يقبل الظلم، ومن الطبيعي كبشر نرفضه ونعبر عن هذا الرفض بالطريقة التي يراها العالم ويشعر بها، من أجل أن نكسب تعاوناً عالمياً يوقف ما يحدث في غزة.
هذا النهج يضمن لنا على أقل تقدير عدم التمادي في هذا العنف. اليوم، إسرائيل تكشف وبكل وقاحة عن عدم اكتراثها لما يحدث، وفي نفس الوقت، هناك جهود وضغوط دبلوماسية تجعل نافذة الأمل مفتوحة، آخرها البيان الصادر عن 26 دولة، كما دعمت المملكة العربية السعودية هذا البيان، وأكدت رفضها القاطع لمواصلة سلطات الاحتلال الإسرائيلية منهجيتها اللاإنسانية.
كل هذه الجهود السلمية لجعل إسرائيل تتوقف عن تعنتها، وتترك مجالاً للسلم في المنطقة. متى ما توقفت إسرائيل عن التمادي في تعزيز أهدافها الاستيطانية، سيصبح هناك فرص كثيرة لتغيير الوضع في المنطقة، وهذا بالتأكيد ما تتمناه كل دول المنطقة.
لكن ما تزال إسرائيل تقود المنطقة إلى مناطق يصعب السيطرة عليها، لذا هناك ما يجعلنا نرفع إحساسنا بالإنسانية وحجم التعاطف الذي نشاهده من العالم تجاه ما يحدث للشعب الفلسطيني. لن يستمر هذا التعنت الإسرائيلي طويلاً، وستضطر إسرائيل إلى التوقف عن هذا العنف، وسترضخ لكل سبل السلم والتفاوض من خلالها.
مواقف كثير من الدول العربية وغيرها واضحة وثابتة ولم تتغير، لأن لفلسطين دولة مستقلة لها حدودها وسيادتها، يجب أن تعود وتحترم من قبل الكيان الصهيوني. هذا الحق ما سيجعل الجميع في المنطقة يعيشون بسلام واستقرار، وسترضخ له إسرائيل عاجلاً أم آجلاً، فهِمم الحروب ليست طويلة كما يعتقد القادة في إسرائيل.