: آخر تحديث

مفاوضات إسطنبول: سلام طويل الأمد وليس هدنة مؤقتة

1
1
1

تشكل المفاوضات المباشرة التي ستستضيفها مدينة إسطنبول التركية في 15 أيار (مايو) الجاري بين روسيا وأوكرانيا خطوة متقدمة لإرساء سلام دائم طويل الأمد. هذا الكلام هو جوهر التصريح الذي أدلى به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 10 أيار (مايو) خلال احتفالات الذكرى الثمانين للنصر على النازية في موسكو.

وكان بوتين دعا إلى استئناف المفاوضات المباشرة مع أوكرانيا بلا شروط مسبقة، وهو من اقترح أن تُعقد في مدينة اسطنبول، والتي كانت شهدت مفاوضات كادت تؤدي لإيقاف الحرب، إلا أن تدخل الغرب بواسطة رئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون، مدعوماً من واشنطن، أطاح بالعملية برمتها لصالح تأجيج الصراع وفق ما تقتضيه أجندة المصالح الغربية، على حساب معاناة ودماء الشعبين.

ومع إعلان الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته، فلوديمير زيلينسكي، المبادرة الروسية وموافقته على القدوم إلى إسطنبول، ارتفعت الآمال والتوقعات بإمكان وضع حد نهائي للصراع المستمر منذ ثلاث سنوات ونصف بدعم وتحريض غربيين.

ومع ذلك، لا تزال ثمة معوقات تعرقل إنجاز تسوية نهائية، أبرزها على الإطلاق التباين بين موسكو وكييف حول أهداف المفاوضات نفسها. فبينما تسعى الأخيرة بشكل محموم للحصول على هدنة أو وقف إطلاق نار، فإن روسيا تريد القضاء على الأسباب الجذرية للصراع بما يمهد لسلام دائم.

إقرأ أيضاً: أميركا تضع أوكرانيا أمام السيناريو الألماني أو الطرح الروسي

وتبدي روسيا الكثير من المرونة بالنظر إلى سياقات التطورات الميدانية التي تصب في صالحها، وكذلك الحال بالنسبة للمعادلات السياسية التي تبدلت بشكل جذري بين أميركا جو بايدن وأميركا دونالد ترامب، من ناحية استراتيجية إدارة الأخيرة التي تتسق مع الوقائع الجيوسياسية والاقتصادية والتاريخية.

ذلك أن موسكو اقتربت إلى حد كبير من تحقيق الأهداف التي وضعتها لعمليتها العسكرية في أوكرانيا، والتي أعلنت عنها غير مرة. وتتمثل هذه الأهداف باجتثاث النازية، حماية الشعوب الروسية داخل أوكرانيا من سياسات الإبادة الجماعية، عدم انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، حماية روسيا من التهديد العسكري للغرب وخصوصاً "الناتو" الذي يواصل تمدده شرقاً نحو الفضاء الجيوسياسي الروسي منذ أكثر من ثلاثة عقود.

وتُظهر الوقائع والمعادلات الميدانية أن روسيا حققت الأهداف المشار إليها، ولم يبقَ إلا اجتثاث النازية المعني بها نظام زيلينسكي المنتهية ولايته أساساً، وتبعاته داخل هرمية الدولة، وهذا ما تستطيع تحقيقه بهدوء من خلال نفوذها السياسي وقوة حضورها على الصعيدين الداخلي، ضمن أوكرانيا نفسها، والدولي مع سياسة الانفتاح التي تتبعها واشنطن والتي قادت إلى حوار مثمر ستظهر آثاره في المستقبل القريب.

إزاء هذه الوقائع، فإن التفاوض في إسطنبول سيكون حول آلية لتنظيم انسحاب القوات الأوكرانية من كافة الأراضي التي استعادتها روسيا، ولا سيما مع موافقة واشنطن على الشروط الروسية كأساس لتسوية دائمة.

إقرأ أيضاً: بوتين يشترط اعتراف أميركا بانضمام الأقاليم الخمسة الى الاتحاد الروسي

في المقابل، فإن صقور الحرب الأوروبيين يريدون أن يكونوا جزءاً من أي تسوية سياسية مقبلة، وفي ظل استبعادهم من قبل ترامب وتهميشهم بشكل غير مسبوق، فإنهم يمعنون في استخدام أدوات الضغط السلبي ووضع العراقيل وفق قاعدة أن لا حل من دوننا، بما يحفظ على الأقل ماء وجه نفوذهم الآفل.

لذلك، وبالتزامن مع إعلان بوتين عن مبادرته، سارع صقور الحرب الأوروبيون إلى عقد قمة خماسية في كييف، ضمت إلى جانب زيلينسكي، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني الجديد فريدريتش ميرتس، ورئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر، ونظيره البولندي دونالد توسك، ليس من أجل دعم أوكرانيا كما قيل، بل لإغراقها أكثر في المستنقع الذي قادوها إليه.

عوض أن يضغط هؤلاء الصقور على زيلينسكي للقبول بمبادرة بوتين كما هي، وبلا شروط مسبقة، فإنهم حرضوه على المطالبة بهدنة لمدة 30 يوماً، من أجل استغلالها لاستدامة الحرب وليس إيقافها، من خلال تزويد القوات الأوكرانية والمجموعات المسلحة غير النظامية التي تقاتل إلى جانبها بالأسلحة.

وبالتالي يكون هدف هذه الهدنة إعادة ترتيب صفوف أوكرانيا من ناحية العديد وكذلك الموارد العسكرية والمالية، وهذا ما يقوض تماماً مسار المبادرة الروسية والجهود الأميركية، ويتناقض مع التوازنات على أرض الميدان.

على طاولة المفاوضات في اسطنبول، سيكون التفاوض على عملية تبادل الأرض، والتي تقتضي انسحاب أوكرانيا من المناطق التي لا تزال تحت سيطرتها في جمهورية دونيتسك ومقاطعتي زابورجيا وخيرسون، مقابل انسحاب القوات المسلحة الروسية من مقاطعتي خيركوف ودنيبروبتروفسك، وهذا أقصى ما يمكن أن تقدمه روسيا لدفع عملية السلام الدائم قدماً.

إقرأ أيضاً: هل تعتبر موسكو النفوذ التركي تهديداً لأمنها القومي؟ ​​​​​​

بكافة الأحوال، فإن موسكو سبق أن أعلنت أنها لا تطالب بهاتين المنطقتين، بما يؤكد جديتها وانسجامها مع الأهداف التي وضعتها، وأنها لا تبتغي استغلال التحولات السياسية وتبدل موازين القوى على أرض الميدان للحصول على أي مكاسب إضافية، وفي ذلك تأكيد جديد أن روسيا تخوض صراعاً جيوسياسياً للدفاع عن أراضيها وأمنها القومي، وليست قوة منفلتة من عقالها تبحث عن التوسع الجغرافي.

ومع ذلك، فإن تشبث صقور الحرب الأوروبيين بالحصول على مقعد حول طاولة المفاوضات السياسية يجعل فرص تحقيق تقدم ملموس في مفاوضات إسطنبول محدودة جداً ومعقدة، إلا أن نجحت سياسة الضغط الأقصى الأميركية في إيقاظ كييف من أوهامها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.