: آخر تحديث

إسرائيل وضرب إيران: "العسكري" و"السياسي"

24
19
12
مواضيع ذات صلة

عاد حديث "ضرب إيران" إلى وجهة النقاش مجدداً عقب تصريحات بني غانتس وزير الدفاع الإسرائيلي، التي نقلتها صحيفة "جيروزاليم بوست"، والتي أكد فيها على أن "لدى إسرائيل القدرة على ضرب إيران، لكن يتعين على قيادة البلاد أولاً أن تدرس هذه الخطوة بعناية، قبل الاقدام عليها".

الصحيفة نفسها في موضع آخر، أشارت إلى تصريحات تساحي هنجبي عضو الكنيست عن حزب "الليكود"، والتي قال فيها إن زعيم الحزب بنيامين نتنياهو، الذي سيقود الحكومة الإسرائيلية الجديدة بعد عودته للسلطة "ربما يأمر بتوجية ضربة للمنشآت النووية الإيرانية في حال لم يتم التوصل لاتفاق نووي، وكان من المتعذر على الولايات المتحدة اتخاذ إجراء ضد طهران".

حديث غانتس عن "القدرة" والإستعداد وتجهيز الخطط اللازمة، هو ـ برأيي ـ من قبيل تأكيد المؤكد، بمعنى أن إسرائيل التي تستشعر خطراً كبيراً جراء التهديد الإيراني قد استعدت بالتأكيد بتجهيز ما تراه لازماً من القدرات العملياتية، وكذلك الخطط اللازمة لشن ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وهي كلها مسائل تتعلق بالتخطيط التنفيذي المتوقع في مثل هذه الحالات.

النقاط التي يجب التوقف عندها في تصريحات غانتس وهنجبي عديدة، وفي مقدمتها أن غانتس الذي يستعد لمغادرة وزارة الدفاع يقدم ما يمكن وصفه بجردة حساب أمام شعبه والتاريخ، حيث قصد أن يؤكد جاهزية الجيش الإسرائيلي، خلال فترة توليه المنصب، على ضرب إيران، وتعمد بموازاة ذلك التأكيد على وجوب دراسة القرار سياسياً بشكل دقيق قبل اتخاذه وهو موقف مهم للغاية.  

حديث عضو الكنيست أيضاً بشان إحتمالية إصدار نتيناهو أمر بضرب إيران ليس ببعيد عن تصريحات غانتس فيما يتعلق بمسألة الحساسية التي تحيط بالموضوع، لأنه أيضاً مرهون بشرطين مهمين أولهما عدم التوصل لاتفاق نووي مع إيران، وهذا أمر بات مرجحاً للغاية، وثانيهما فشل أو عدم قدرة الولايات المتحدة على اتخاذ إجراء ضد طهران، وهو شرط صعب التحقق لأنه يعني بالضرورة ـ كما سبق أن أشرت لذلك في مقال سابق، التنسيق مع واشنطن والحصول على ضوء أخضر أمريكي قبل القيام بتوجيه ضربة عسكرية إسرائيلية ضد إيران، فضلاً عن أنه مرتبط بإقرار واشنطن نفسها بفشل جميع الخيارات التي تمتلكها في التعاطي مع التهديد الإيراني، وهو ـ أي الإقرار ـ أمر مستبعد بطبيعة الحال.

بلاشك أن الأمر كله يصب في خانة واحدة وهي أن القرار في مجمله سياسي بإمتياز، فالسياسة هنا منوط بها دراسة دقيقة لتداعيات محتملة للقرار من كافة جوانبه، سواء نجحت الضربة أم فشلت في تحقيق اهدافها، لأنه كلا الاحتمالين ينطويان على تداعيات واحدة قد تختلف فقط في حدتها وخطورتها ونطاقاتها المحتملة، لاسيما في ظل حالة السيولة والفوضى التي تتسم بها العلاقات الدولية في المرحلة الراهنة، فضلاً عن تداخل إيران بقوة في الأزمة الأوكرانية مع كل ما يعنيه ذلك من معان ودلالات تتعلق بموقف روسيا على الأقل لجهة تقديم الدعم اللوجستي والمعلوماتي للحليف الإيراني.

يجب أن نتفق ـ كباحثين ومتخصصين، على أن خيار ضرب إيران ليس سهلاً بالمرة، ويستوجب كما قال غانتس، دراسة دقيقة قبل التنفيذ، خصوصاً أن حديث وزير الدفاع هنا يعني بشكل ضمني أن الدراسة لا تتعلق فقط بالقدرات العسكرية والعملياتية، بل بدراسة توابع القرار وتداعياته المحتملة، أي القدرة على التعامل مع عواقبه، وهنا نشير إلى أن غانتس نفسه قد أكد في التصريحات ذاتها أن نتنياهو في الماضي كاد أن يقدم على تنفيذ سيناريو توجيه ضربة لإيران لكنه تراجع عن ذلك في النهاية.

باعتقادي أن الظروف وبيئة صناعة القرار باتت أكثر تعقيداً عن ذي قبل، وإيران نفسها باتت أكثر قدرة على القيام برد عسكري على أي ضربة إسرائيلية، وهذا ليس تهويلاً ولا تضخيماً للقدرات الإيرانية، ولكن علينا النظر بواقعية تامة للطفرات التي تكشفت خلال الآونة الأخيرة في القدرات العسكرية الإيرانية، سواء فيما يتعلق بالمسّيرات التي تستعين بها روسيا في حرب أوكرانيا، أو بالكشف المتواصل عن أسلحة جديدة أحدثها الصواريخ فرط الصوتية، التي ربما تكون في بدايات تطورها، ولكن علينا التدبر، ولو قليلاً، في تأثيرات محتملة للتعاون التكنولوجي بين إيران وحلفاء يمتلكون صناعات عسكرية متطورة مثل روسيا.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل فات الآوان للتعامل إسرائيلياً مع التهديد الإيراني؟ الجواب هو لا بالتأكيد، فالجواب بنعم يوازي الإقرار بالاستسلام للأمر الواقع، وهذا ليس خياراً لأي قيادة إسرائيلية أو غير إسرائيلية، ولكن المقصود هو ضرورة تنويع البدائل والخيارات تحسباً لصعوبة تنفيذ سيناريو الضربة في ظل تعقد موقف الولايات المتحدة دولياً، بسبب الضغوط التي تواجهها سواء بسبب صعود الصين ووضع تايوان، أو بسبب ازمة أوكرانيا التي صعب التكهن بمآلاتها، وكل ذلك يجعل من الصعب بالنسبة لواشنطن، بغض النظر عن هوية سيد البيت الأبيض، منح إسرائيل صكاً على بياض لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران.

قد يقول قائل: ولماذا لا تعتمد إسرائيل في قرار كهذا على نفسها فقط؟ والجواب برأيي هو أن الإنفراد بالقرار هنا في غاية الحساسية والخطورة والتعقيد في آن واحد، فالمسألة لا تتعلق بضربة قابلة للنجاح والفشل يعقبها ردود فعل سياسية مؤيدة ورافضة فقط، ولكنها ترتبط بالأساس بسيناريوهات الرد الإيراني وسبل التعامل معها، في ظل هذه الشبكة المركّبة من العملاء والأذرع الميليشياوية والطائفية التي تمولها وتديرها إيران، ما يجعل فكرة التعامل مع الرد فكرة قد تستعصى على قدرات أي دولة، وليس فقط إسرائيل، في ظل الحسابات الجيوسياسية والجيواستراتيجية القائمة، ما يتطلب بدوره شبكة من التحالفات الإقليمية والدولية الداعمة.

بلاشك أن إيران تقترب من أن تتحول إلى رقم صعب يستعصى على الحل في منطقة الشرق الأوسط، وهذا الأمر لا يثير قلق إسرائيل فقط، بل موضع قلق معظم دول المنطقة، فإيران تطمح دائماً إلى ترجمة قوتها العسكرية إلى نفوذ إستراتيجي، وهي بالأساس قوة توسعية مهيمنة، وبالتالي فإن خطر تنامي قوتها لا يقتصر على إسرائيل فقط ولا يجب كذلك أن تفكر فيه بمفردها.
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي