الیوم السادس والعشرين من انتفاضة الشعب الإيراني. كل يوم، يكون الثوّار أكثر تصميماً وراديكالية من اليوم السابق بخطوات حازمة نحو الثورة والإطاحة بالفاشية الدينية الحاكمة. الصراخات الصامتة المتراکمة في الحلق والأصوات المكبوتة تحوّلت الآن إلى هتافات وشعارات صاخبة تصل إلى آذان الحكّام والرأي العام المحلي والعالمي. لقد أدرك الحكام القمعيون أن هذه الانتفاضة، حتى لو شهدت صعودًا وهبوطًا وجزراً ومداً، لکنها لن تتوقف، ومثل إعصار رهيب کاسح، فإن هدفها النهائي هو الإطاحة بنظام ولایة الفقیه برمته، وتنذر بالنصر الحتمي للشعب المنتفض.
إذا ألقینا نظرة في أفعال وتصريحات المسؤولين الحكوميين، فسوف ندرك أن الانتفاضة زرعت الخوف والرعب من السقوط في نفوسهم.
أعلن التلفزيون الرسمي، السبت 16 أكتوبر، عن لقاء جمع رؤساء القوى الثلاث. في نهاية هذا الاجتماع، فإن الثلاثة (إبراهیم رئیسي، محمد باقر قالیباف وغلام حسین إیجه ئي)، غير قادرين على تقديم خطة وسياسة واضحتين بشأن الانتفاضة التي استهدفت کیان النظام، اکتفوا بالكلمات العامة المتكررة، ونُشر الخبر بأن: "رؤساء القوی شدّدوا على أهمية الوحدة لاستمرار مسيرة التنمية والتقدم في البلاد واعتبروا أن الهدوء ضروري للأنشطة الاقتصادية وأعمال الشعب".
كما أعرب اللواء بالحرس محمد باقري، رئیس الأركان العامة للقوات المسلحة للنظام، باعتباره أعلى قائد للقوات القمعیة، عن تخوفه من استمرار الانتفاضة وتطورها إلى ثورة وإسقاط النظام على النحو التالي:
"تظهر تهديدات ناشئة وأحياناً غير معروفة وعلينا أن نعدّ أنفسنا... قد يواصل الأشخاص المخدوعون طريق الشغب من خلال تحريض عناصر المرتزقة... مسؤولية ومهمة قيادة الشرطة في البلد بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني والباسيج هي إعادة الامن والسلام الى البلاد .. الاعداء يحاولون اليوم خلق انقسامات وخلافات بين القوات المسلحة والشعب والقوات المسلحة".
مع استمرار الانتفاضة الوطنية، أصبح مصطلح "الثورة" هو الثقافة العامة للشعب. ويصرخ المنتفضون في شعاراتهم "لا تسمّوا ما یجري احتجاجاً، هذه ثورة". أي أن الوضع وصل إلى نقطة تكون فيها المطالب خارج نطاق بعض المطالب المعتادة، وتجعل النظام الحاکم یتفهم بأن هناك عزم لعدم العودة إلى الوراء. لذلك لم یعد نقاش حول الإصلاح والتعدیل والتجمیل وما کان سابقاً مصلحة بعض المجموعات حیث کانت مصالحهم في بقاء الشعارات المضللة. على العكس من ذلك، أصبحت الشعارات راديكالية جدا. شعارات مثل الموت للديكتاتور، الموت لخامنئي، الموت للظالم، سواء أكان الشاه أو القائد[خامنئي]، هذا العام هو عام الدم وسنسقط فیه السيد علي [خامنئي]، وما شابه ذلك. أصبحت هذه الشعارات الهتافات الرئيسية للثوریین في جميع أنحاء إيران. وباستثناء الأقارب المقرّبين بالنظام والمرتزقة في دائرة السلطة، لا أحد يؤمن ببقاء الديكتاتورية الدينية، بل كل الطبقات تريد تغييرًا جذريًا وإسقاط النظام. إن ثورة جديدة تجري في شوارع إيران لا يمكن لأي قوة إیقافها.
ومن المناسب أن نذكر هنا خلفية تاريخية للثورة الفرنسية الكبرى.
كتبت هانا آرنت في كتاب "الثورة": في ليلة 14 يوليو 1789، عندما سمع لويس السادس عشر في باريس من ليانكورت "نبأ" عن سقوط سجن الباستيل المخيف وإطلاق سراح مجموعة من السجناء وهروب أفراد الجيش الملكي من أمام هجوم الشعب، فصاح الملك في وجهه: "هذه أعمال شغب" لكن ليانكورت صحّح كلام الملك وقال: "لا يا صاحب الجلالة!" هذه ثورة!
في إيران، لا يمكن تجاهل قوة وحركة القوى العظيمة المحبة للحرية والسعي للتغيير وإسقاط النظام. ولا یمکن القول بإن هذه انتفاضة أهلية ضد الحجاب والشادور وما شابه ذلك. إن وضع الغليان الحالي في إيران يشبه الرصاصة التي خرجت من فوهة البندقية وتتسارع بسرعة نحو الهدف. قد يكون للعوامل الباليستية تأثيرات طفيفة على منحنى طيران الرصاصة؛ لكنهم غير قادرين على إعادة الرصاصة إلى فوهة البندقية.
إن التقدم المتواصل للانتفاضة التي عمّت البلاد في الأيام الـ26 والليلة الماضية في إيران يثبت لنا أن هناك ثورة کبری على مستوى البلاد. ثورة مؤكدة الحدوث، واحتوائها خارج نطاق سلطة خامنئي وأجهزته القمعية واسعة النطاق.
من تقتضي مصالحهم غض الطرف عن واقع ثورة الشعب الإيراني وتحويلها إلى مطالب كالحجاب والمطالب المدنية، أو القول عمداً أن هذه الانتفاضة تفتقر إلى قائد، يعرفون جيداً أن محاولاتهم غیر مجدیة. لأنهم یریدون ذرّ الرماد علی حقیقة لامعة لا يمكن إنكارها. الشمس خلف الغيوم لا تزال شمساً ولا يمكن إنكار وجود الشمس ولما ظهرت لا یمکن حجبها بالغربال. هذه الثورة حظيت برصید 41 عاما من المقاومة الدامیة وبتضحيات أكثر من 120 ألف من أفضل أبناء إيران ومعاناة وتعذيب مئات الآلاف من السجناء السياسيين وفقر وعوز جيوش الجياع والفقراء والعاطلين عن العمل وغیرهم. وبناءً على ذلك، فإن قاطفي الثمار والانتهازيين ومن يتجاهل الحقائق والمطالب المشروعة للشعب الإيراني لن ینجحوا ولن يتمكنوا من المساعدة في الحفاظ على هذا النظام وكسب المزيد من الوقت له.
لا شك أن الثورة الديمقراطية للشعب الإيراني ستنتصر.