وكما يقولون ينقلب السحر على الساحر، ونضيف وإن طال الأمد، وقد انقلب!
ويمكن قلب السحر على هذا الساحر وفي أي وقت ذلك لأنه لا يخضع لمنطق القانون والمؤسسات في الدولة الرصينة هذا بالإضافة إلى الفئوية التي يقوم عليها فكر وسلوك الساحر.
بعد قرابة الأربعة والأربعون عاما من الخديعة والحيلة والظلم والجبروت تتساقط كل أوراق نظام الملالي المتحكمين في إيران، فالحكم والحاكم شرعية من يفقدها بات متحكما متسلطا وهكذا كان الحال في طهران منذ البداية حيث فوجىء الشعب الإيراني وإكتشف بأنه وقع في فخ سحر خطاب الساحر المعمم الذي كان يبدل جلده عند كل أزمه مستخدما ورقة سحر جديدة إلى جانب مقاصل الإعدامات ورعب السجون والقمع والخوف الذي تأصل في أنفس الناس الحريصة على عدم خسران المزيد من أبنائها بين معدوم وقتيل مغدور ومفقود لا أثر له ومنفي، وضحايا آتون حروب مفتعلة لا هدف منها سوى الطموح التوسعي للنظام الذي استمر بالحديد والنار ولغة المساومة والمهادنة والأزمات مع العالم الخارجي الذي تعامل بمنطق إدارة الأزمات مع المنطقة أيضا وهو ذات المنطق الذي إتبعه مع نظام الشاه في حينه كوسيلة لإرعاب المنطقة، وقد وفر له ذلك المنطق مبيعات سلاح هائلة لدول المنطقة.
اليوم ينقلب الشعب الإيراني السحر على الساحر بعد أن كُسِرَت جدران الخوف العتيقة بداخله وتهاوت وبات منطق العيش بكرامة أو الموت بشرف هو القاعدة التي يجب أن يقف عليها الشباب الإيرانيين اليوم غير آبهين بأي شيء حتى بمخاوف الوالدين الذان أصبحا مؤمنين بضرورة التضحية أيضا بعد أن أدرك الشعب بأن بؤسه وتعاظم فقره وتهالكه وفقدانه لأبنائه ومستقبلهم لا حل له سوى قلع مسببات أزماته من الجذور والتوجه نحو نيل حريته وكرامته وحقه بالوجود الأمر الذي لن يتحقق إلا بإسقاط صنم المعمم وإنزال بعيرهم من فوق التل نزولا نهائيا ينتهي بتغيير سياسي وقيام شكل جديد لمنظومة الحكم ما أدى إلى خروج كافة فئات الشعب الإيراني في انتفاضات عديدة ومتكررة وصلت اليوم إلى قيام ثورة عارمة بعد أن وصل بغي السلطان المعمم إلى المساس بالأعراض وقتل فتاة كردية بريئة، وقتل واغتصاب فتاة لرية أخرى، ثم قتل أخرى وأخرى وآخرين، ثم قتل الأطفال والمصلين البلوش المضطهدين الذين يصرخون يقتلوننا لأنه لا نصير لنا.
لم تنتهي حمامات الدم التي يبارك بها ملالي إيران عمائمهم ولن تنتهي، لكنها هذه المرة ليست كسابقاتها حيث تحولات حمامات الدم هذه إلى وقود يشعل ثورة الشعب ويؤجج شعلتها حتى انكسرت معادلة الخوف وباتت الضحية تطارد جلاديها المدججين وتواجههم بالهتافات والشعارات والإشتباك بالإيدي وهم يفرون أمامها كالجرذان التي أثبتت كم هي طفيلية وبائية لابد من قلعها.
أمام خوفهم ورعبهم من هذه الثورة لم يجد فرعون وهامان طهران وجنودهم خلاصا مما صنعت أيديهم سوى البطش الوحشي الدموي، وتشويه الثورة وإظهارها بأنها ضد الحجاب والعفاف كعادة الباطل الذي يتبعونه، ونسوا أن نساء وبنات الداعين لإسقاطهم من المحجبات، ونسوا أن الفتيات من أطفال المدارس اللواتي خرجن منددات بهم كن يرتدين الحجاب وعلى درجة عالية من الستر والعفة، أما الحالات التي نزعت الحجاب فقامت بذلك تحديا للنظام الذي خرج عن حد الله القائل (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وقتل نفساً بريئة بسبب خروجه عن شرع الله.، وهنا لابد من الإعتراف بجق الشعب الإيراني في الدفاع عن نفسه بشتى السبل الممكنة حتى تنتهي مآسيه ومآسي شعوب المنطقة.
وها هو النظام الإيراني ينتقل من مرحلة صناعة وتصدير الخوف إلى مرحلة الإصابة برعاب الخوف، وأكثر ما يخيف هذا النظام اليوم هو أن تكون نهايته بقباقيب النساء، أو أن تتحول عمائمهم وأمعائهم حبالا لمشانقهم هم وجنودهم.