لا جدال في أن الأربع والعشرين ساعة الماضية حضيت بخمسة أحداث كل حدث منها ليس مهما فقط بل تاريخيا ويشكل وحده رصاصة سامة في صدر الولي الفقيه الإيراني يصعب إنكارها.
وحين ندقق في العوامل التي صنعت كل حدث من الأحداث الخمسة نجد أن عنجهية النظام الإيراني، وعدوانيته، وعدم احترامه لقوانين الجيرة والأمم المتحدة والدين والنظام الدولي كانت هي المحرك الحقيقي لدول الجوار العربية للبحث عن طريقة أو صيغة للتعاونعلى صد نشاطات إيران، حتى لو اضطرت إلى الاستعانة بأمريكا وإسرائيل.
يعني أن إيران، باسم المقاومة والممانعة، وبشعار محو إسرائيل من الوجود وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، نقلت العدو الصهيوني من خانة العدو رقم واحد إلى العدو رقم ألف، ووضعت نفسها مكانها، وأحرقت فرصة إنصاف الشعب الفلسطيني، وأبعدت عنه الحل الذي ينشده ويتمنى حدوثه، وهو حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية في الضفة وغزة عاصمتُها القدس الشرقية، ما دامت المشاريع والحروب القديمة، كلها، لم تجلب لمواطنيه غير المزيد من المعاناة والخسارات.
الرصاصة الأولى
كانت، دون منازع، هي الزيارة المدوية التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل، بكل ما أحيطت به من نشوة إسرائيلية فاقعة وفرح غامر باضطرار أمريكا بايدن إلى التسليم أخيرا بالرأي الإسرائيلي القائل بضرورة تسخين الحديدة الحامية بوجه النظام الإيراني. فقد اتفق الطرفان، أخيرا، وبشكل ملزم ونهائي وصلب وغير قابل للتراجع، على التعهد بمنع إيران من حيازة سلاح نووي، "حتى لو اضطررنا إلى اللجوء إلى القوة لتحقيق ذلك".
ومن هنا ستبدأ رحلة المتاعب الإيرانية الجديدة باهضة الثمن، وستكون في طليعتها عقوباتٌ جديدة، وعمليات اغتيال وحرق ونسف وتدمير متلاحقة متفرقة ستحدث في العمق الإيراني، وفي سوريا ولبنان والعراق.
وهو ما يفسر عصبية المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية الذي رد على بيان القدس بالقول، "على الأميركان والصهاينة مراجعة الماضي والهزائم المتكررة التي لحقت بهم في تدمير قاعدة التجسس التابعة للكيان الصهيوني في أربيل وتدمير قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق".
الرصاصة الثانية
تمثلت بزيارة بايدن لفلسطين، وبرفع العلم الفلسطيني على سيارته الرئاسية، لأول مرة في التاريخ، ووقوفه أمام حرس الشرف الفلسطيني واستماعه، باحترام، للسلام الوطني الفلسطيني، وتكرار الحديث عن حل الدولتين الذي لا تحبه حليفته إسرائيل. ورغم أن الزيارة لم تحقق الكثير من المكاسب السياسية على الأرض للسلطة الفلسطينية، إلا أن تفاصيل الزيارة أطفأت، مسبقا، ردود أفعال إيران وحماس وحزب الله التي كان متوقعا، وقد حصل، أن تَعتبر نشاط بايدن في المنطقة تمهيدا لمزيد من "التطبيع والخيانة للقضية الفلسطينية". وهو ما يحتكره الإيرانيون وأتباعهم.
الرصاصة الثالثة
مؤتمر بايدن في السعودية. وهذه وحدها أم الحوادث، بكل المقاييس. فمعروف أن بايدن كان قد قال سابقا، أن "خاشقجي تم قتله وتقطيعه، وأعتقد بأن تم بأمر من ولي العهد السعودي، وأقولها بصراحة، لن نبيعهم أسلحة مجددا، وسنجعلهم يدفعون الثمن، وسنجعلهم منبوذين مثلما هم فعلا".
وقبيل الزيارة أعلنت الناطقة باسم البيت الأبيض ردا على سؤال صحفي، فقالت، "إن الرئيس بايدن سيجري محادثات مع الملك سلمان بن عبد العزيز، فقط، ولن يتحادث، مطلقا، مع ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، لأن نظيره هو الملك سلمان".
ثم حصل، والتقى بولي العهد، ثم قال، في كلمة ألقاها من جدة، "إنه أجرى مباحثات مهمة مع الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان".
وشدد على أن "السعودية ساهمت في تثبيت ودعم الهدنة في اليمن" التي ترعاها الأمم المتحدة".
وأكد أنه بحث مع القيادة السعودية "الاحتياجات الأمنية والعسكرية للسعودية لمواجهة التهديدات"، كما ناقش معها "ملف أمن الطاقة".
وفي تزامن مع هذه الزيارة أعلنت هيئة الطيران المدني السعودي عن "فتح أجواء المملكة أمام جميع الناقلات الجوية التي تستوفي متطلبات العبور".
وقد رحب الرئيس جو بايدن بهذا القرار الذي يشمل الرحلات من وإلى إسرائيل. كما هنأ رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية يائير لبيد: "القيادة السعودية على فتح مجالها الجوي". من جهتها، رحبت وزيرة النقل الإسرائيلية بقرار السعودية، معتبرة أنها "خطوة مهمة" ستسمح "بتعزيز" العلاقات بين اسرائيل ودول في الشرق الأوسط.
الرصاصة الرابعة
كانت التسريبات الفاضحة التي قصمت ظهر وكيل إيران الأول في العراق، نوري المالكي، وأخرجته من حسابات العمل السياسي العراقي المقبل. فإضافة إلى حجم الغرور والتوحش والعدوانية والطائفية الفاقعة التي تحدث بها فإنه ألحقَ بإيران وبمعسكرها المتمثل بالإطار التنسيقي والفصائل المسلحة ضررا لا يمكن إلا أن يكون باهض الثمن على وجودها داخل الحاضنة الشيعية العراقية التي لا يملك النظام الإيراني أرحم وأنفع منها في العراق والمنطقة.
أما الرصاصة الخامسة
فهي صلاة ولدها المشاغب، مقتدى الصدر، التي أقامها يوم الجمعة، والتي لا يمكن اعتبارها، بكل الحسابات، إلا نسفا نهائيا لوحدة البيت الشيعي لا يمكن تعويضه، ولا يمكن إنكاره. فهذه الصلاة التي جاءت في أعقاب ثرثرات المالكي الممجوجة، قتلت، وبشكل نهائي، أية مشاعر أخوية مذهبية كانت لدى المواطن الشيعي الصدري تجاه إخوته في البيت الشيعي، ووضعت تأريخا جديدا لوضعٍ عراقي جديد لن يكون فيه لإيران، في المرحلة القادمة، ما كان لها من سطوة ووصاية ووجود. خصوصا بعد إعلان مقتدى أنه "لا يمكن تشكيل حكومة قوية مع وجود سلاح منفلت ومليشيات لذا يجب حل جميع الفصائل المسلحة".
ولم يجد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان للتعبير عن شعوره بالضيق من كل هذه الأحداث المزعجة سوى أن يكتب عبر "تويتر" قائلا "لا شك أن مسرحية الدمى للبيت الأبيض والصهيونية في المنطقة تزيد من عزمنا".